تركيا أمام خيارات صعبة في سورية خشية تكوّن دولة كردية على حدودها

نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في السابع من يونيو 2015 وفوز حزب الشعوب الديمقراطي المتعاطف مع القومية الكردية غير المتوقع، والذي وجه ضربة لحزب العدالة والتنمية في حرمانه من الحصول على الأغلبية النيابية، حرمت الحزب ورئيسه من تغيير الدستور للتحول إلى نظام رئاسي على غرار الولايات المتحدة وفرنسا.

شهية الأكراد في سوريا انفتحت في محاربة داعش خصوصا وهم يتلقون دعما جويا من الولايات المتحدة، أي أنهم يحصدون الانجازات في ظل الحرب في العراق وفي سوريا وعدم الاستقرار في المنطقة.

أكراد سوريا يتجهون نحو الحكم الذاتي على غرار كردستان العراق، وبذلك تكون هناك دولة مستقبلية من كردستان العراق وشمال سوريا تتصل بمنفذ بحري على البحر المتوسط، خصوصا وأن كردستان العراق تنوي الاستقلال الاقتصادي عن الحكومة المركزية وهي خطوة نحو إعلان الدولة المستقلة مستقبلا.

المشهد السياسي في تركيا معقد بعدما خسر حزب العدالة والتنمية حكومة الأغلبية عندما خسر أصوات المحافظين القوميين لصالح حزب الحركة القومية، فهو يحتاج إلى حكومة ائتلافية ولكنه يبحث عن شريك صغير حتى يسيطر على البرلمان، بل حتى إقليميا فإن حزب العدالة خسر الرهان في الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، سيصب في صالح تعزيز الأمن العربي، ويصب بشكل خاص في صالح دولة مصر التي عانت من انتقادات أردوغان الحادة تجاه مصر، وتجاه الأحكام التي صدرت في حق القيادات الإخوانية، بل تؤدي إلى تغيير خريطة تحالفات جديدة في المنطقة.

فوز حزب الشعوب الديمقراطي، سيفتح الباب أمام القضية الكردية سياسيا، وسيؤثر على مكانة تركيا في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا،  الذي سينعكس على الأكراد في تركيا البالغ عددهم 15 مليون، لذلك صرح أردوغان بأن تركيا لن تسمح مطلقا بإقامة دولة جديدة في شمال سوريا، و 12 ألف جندي تركي جاهزون للدخول إلى سوريا لإنشاء منطقة آمنة، وتشييد مزيد من الجدران على امتداد حدودها مع سوريا لتعزيز الأمن.

يواجه حزب العدالة والتنمية التدخل عسكريا في سوريا، خصوصا بعدما سيطر الأكراد على تل الأبيض وانتزاعه من داعش، ومن قبل انتزعت وكوباني، لكن هذا التدخل العسكري التركي واجه معارضة شديدة من رئاسة هيئة أركان الجيش التركي.

التدخل العسكري الذي ينوي حزب العدالة والتنمية قيادته في تركيا بحجة محاربة وصد مقالتي داعش بعيدا عن حدود تركيا، لكن الحقيقة منع تقدم القوات الكردية المقربة من متمردي حزب العمال الكردستاني الذين يحملون السلاح ضد تركيا منذ العام 1984، خصوصا بعدما فشلت تركيا في إقناع الولايات المتحدة بإقامة منطقة آمنة شمال سوريا تحمي اللاجئين الفارين من المعارك تمنع تحليق طائرات النظام السوري.

تستخدم الولايات المتحدة الورقة الكردية لإضعاف التحالف التركي السعودي في سوريا من أجل إسقاط نظام بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا وحتى من العديد من الدول العربية خصوصا الجزائر والعراق، بينما تعارض مصر المتحالفة مع روسيا وحتى لا يكون لجماعة الإخوان قيادة مدعومة من قبل تركيا وقطر في سوريا.

رغم ذلك لا تزال تركيا تدرس إقامة منطقة آمنة تمتد 110 كيلومتر مع سوريا لتمنع إقامة دولة للأكراد بجوارها متصلة مع كردستان العراق، ولكن تحتاج تركيا إلى تحقيق هذه المنطقة الآمنة بموافقة دول التحالف، وفق ترتيبات جديدة، مما يفرض على تركيا تغيير أولويتها من إسقاط نظام بشار الأسد إلى محاربة داعش، بعدما تركت داعش تتوسع حتى تمنع إقامة دولة كردية على حدودها.

خصوصا وأن تركيا تخشى أن تقع المنطقة في يد الاتحاد الديمقراطي الكردي والتوحد الجغرافي للمناطق الكردية الثلاث ذات الحكم الذاتي والتي أسست قبل عام ونصف العام على حدود تركيا، لكن دعم الولايات المتحدة الأكراد بالقصف الجوي مكن الأكراد من التصدي لمقاتلي داعش وإخراجهم من مناطق شمال سوريا لإرباك الدور التركي، وبالفعل نجحت الولايات المتحدة مدعومة بنتائج الانتخابات في تركيا.

النظام السوري استخدم الورقة الكردية لتهديد تركيا، بينما تتهم تركيا النظام السوري استخدام داعش هو وإيران بهدف تقسيم وإضعاف وتمزيق الجيش السوري الحر وباقي الفصائل المعارضة والقضاء عليها، لذلك النظام السوري لا يستهدف داعش، ولا تركيا تستهدف داعش، وحتى داعش لا يستهدف النظام إلا في المناطق الاستراتيجية أو في المناطق التي تمتلك موارد يمول عملياته منها، لذلك نجد داعش يسيطر على المناطق من الرقة إلى جرابلس (ريف حلب) وحتى حدود العراق، واستهدافه مساجد الشيعة في السعودية والكويت، ما هي إلا عمليات سياسية من أجل ضمان توسعه وجذب أعداد أكبر لتجنيدها في تنظيمه تحت حجة بأنه يحارب الشيعة، بينما حقيقة داعش مثله مثل حركات الإسلام السياسي يريد السلطة والحكم.

سوريا مقسمة بين أربعة جهات، فهناك مناطق واقعة تحت سيطرة الاتحاد الديمقراطي، ومناطق تحت سيطرة داعش، وأخرى تحت سيطرة المعارضة السورية، ومناطق يسيطر عليها النظام السوري.

لذلك تريد تركيا الدخول لمنع قيام دولة كردية بحجة محاربة داعش وتشكيل منطقة أمنية على طول الخط الحدودي بين جرابلس ومارع الواقع تحت سيطرة تنظيم داعش لأن هذه المنطقة تتمتع بأهمية استراتيجية بالنسبة لأنقرة، قد تتعاطف إيران لأول مرة في التدخل التركي في شمال سوريا، لأن المصلحة مشتركة، ولكن ما مصير نظام بشار الأسد والأزمة السورية؟ هل تدخل الأزمة السورية نفقا مظلما آخر؟ وهل بالفعل تدخل تركيا إلى سوريا من أجل أن تحارب داعش؟ أشك في ذلك، لأن تركيا تخشى على سياحتها، وتخشى أن يحدث لها ما حدث لتونس، لكنها يمكن أن تحارب داعش عن طريق المعارضة السورية، التي هي الأخرى لن ترضى أن تحارب داعش إلا إذا ضمنت إسقاط نظام بشار الأسد.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق