بعد معاوية والحسين… ماذا عن الحسن؟

بالنسبة الى غالبية المسلمين، سنة وشيعة، فإن السادة الثلاثة الحسن والحسين ومعاوية، – رضي الله عنهم- من صحب النبي الكرام، يتدينون بحبهم وإبراز سيَرهم بوصفها دروساً وعبر، على اختلاف الفريقين في أي السادة تقدم، وبأي جانب من سيرتهم يهتمون أو ينتقدون.

غير أن اللافت أن ذلك الاستدعاء كله وقف على الحسين ومعاوية، باعتبارهما مثلاً للخروج على الحاكم، بحجة ما، هي عند معاوية الانتصار للمظلوم (عثمان)، وعند الحسين انحراف الخليفة (يزيد)، بينما ظل الحسن الذي اختار طريقاً آخر، هو »التنازل والصلح«، غير حاضر في شق التنظير والتطبيق وإن بشكل متفاوت.

زاد الأمر وضوحاً عندما أتيحت الفرصة لبعض التيارات الإسلامية أن تخوض معارك مع غرمائها في السلطة، مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن ولبنان، وحينها لم يتضح أنها مرت يوماً على تعاليم الدين التي بشرت بها في حفظ الضرورات، واتباع سنة آل البيت، والإيثار، والتسامح، والتنازل عن حظوظ النفس، في سبيل مصلحة أكبر هي »حقن الدم«، الذي ترى أدبياتها أنها أولى وأكرم.

ومع أن الجهة المقابلة التي مثلتها أنظمة وحركات أخرى، كانت أشرس في الدفاع عن حظوظها كما يفعل بشار الاسد الآن، وفعل القذافي من قبل، إلا أن آخرين مثل حسني مبارك وعلي عبد الله صالح، تنازلوا بعض الشيء، ناهيك عن كون الحركة ذات المرجعية الإسلامية أحرى بلزوم تعاليمها، ولا يجوز أن تحتج بسلوك فريق له منطق آخر.

وربما أن ظهور هذا التناقض، هو الذي أحرج شخصيات تقليدية هذا العام في إيران، ودفعها إلى إحياء جزء من تاريخ الحسن، عبر مؤتمر رعاه الرئيس روحاني، وأحياه بقوله »الحاجة اليوم تدعو إلى سلوك طريق الإمام الحسن من أجل الحفاظ على أرواح المسلمين ودمائهم وترسيخ دعائم الصلح والسلام في العالم الإسلامي«، مضيفاً أنه »ينبغي أن لا يتصور أحد أن سلوك طريق أهل بيت النبي يفضي إلى الخلاف والفرقة، بل على العكس من ذلك، يعد هذا السبيل من دعائم الوحدة بين المسلمين«.

وهذا السلوك الشائع بين حركات العنف والإسلام السياسي، هو ما التقطه العلامة الموريتاني عبد الله بن بيه، وجعله حجة أسّس عليها مبادرة »تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة«. وهو بذلك علاوة على أنه أعاد للإسلام جانباً من سماحته المسلوبة، أعاد ايضا الاعتبار إلى شخصية إسلامية عريقة هي الحسن بن علي، وحقه الطبيعي في التداول والدرس والتأسي، وهو من توثق المدونات الشرعية قول جده (ص) عنه »ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين«. وترجم الحسن ذلك عملياً عام 41 هـ، عندما أنهى أطول صراع (وفتنة) بين الصحب الكرام، وتنازل عن السلطة لغريمه معاوية بن ابي سفيان، فسمي »عام الجماعة«.

ويرى بن بيه أن الثورات في الدول العربية نتيجة »شارع لا مشروع«، مشيراً إلى أنها نجحت في الهدم، لكن لم تكن لديها خطة للبناء ولم تكن لها قيادات فكرية، لافتاً إلى أنه ليس ضدّ الثورات »بل ضدّ نتائجها، لأنها ثورات عمياء وجرّافة تجرف كل ما أمامها من دون تمييز«.

وأضاف في حوار معه »أستغرب تغييبنا مفهوم السلم الذي يعد من المفاهيم الأصيلة في الثقافة الإسلامية«، ذلك أن »الحرب لا تحقّق العدل وإنما تحقّق القتل، لذلك سُميت المعاهدات التي توقف الحرب فتحاً

لكن الانتقائية التي يمارسها المتطرفون وبعض المحتجين بالتراث على شنائع، مثل القتل والسبي والنهب، لا تتوقف عند تغييب مدارس مضيئة، وانتقاء أجزاء من تجارب أخرى لأنها وافقت هوى وظرفاً، تخدم فيها مآرب، أقل ما يقال عن بعضها أنها انتهازية. وهذا فقط فصل منها.

نقلا عن الحياة اللندنية

مصطفى الأنصاري

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق