المالكي وأزمة الإنقاذ

يبدو أن الأحداث المتسارعة على أرض العراق، من إخفاق قوات المالكي في التصدي لزحف تنظيم “داعش” على أهم المناطق الاستراتيجية، بعد ما فرت قوات الشرطة والجيش العراقي دون أية مقاومة، تاركين وحداتهم مليئة (بالمركبات والذخائر والمؤن).

مع دعوات المرجعيات الدينية الشيعية للاحتشاد لقيادة الحرب المذهبية ضد “داعش” بحجة مواجهة الإرهابيين والدفاع عن المقدسات الشيعية، بالتزامن مع قصف النظام السوري لمقرات تنظيم “داعش” لأول مرة؛ ما هو إلا مخطط إيراني سوري، يهدف إلى تصدير الأزمة “أزمة الإنقاذ” حيث يوفر تنظيم “داعش” حجة قوية للنظامين وحليفهما الإيراني بأن الأولوية لمحاربة الإرهاب على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، كما حدث في جنيف 2، وفي امتناع الغرب عن التسليح النوعي للمعارضة، مخافة وقوع السلاح بأيدي المتطرفين، فهده الأزمة استخدمها النظام السّوري من قبل، والآن يصدرها إلى حليفه المالكي الذي يعاني من احتجاجات شعبية واسعة سنّية وشيعية مما يهدد ترشحه لولاية ثالثة.

فبينما تنظيم “داعش” بعشوائيته وأيديولوجيته المدمرة وجهله الفظيع، يمتد من دير الزور إلى حدود كردستان ليسجل انتصاراته الوهمية، تتحرك القوى الإقليمية والدولية لاستغلال الأوضاع لصالحها، فالعلاقة التي تربط “داعش” بالنظام السّوري هي علاقة نفع واستخدام متبادل، فهناك فرق بين “الاستخدام والتوظيف” من جهة، وبين أن يكون النظام قد خلق “داعش” ومولها وسلحها من جهة أخرى.

وليس من المبالغة القول إن وجود “داعش” أعاق إنهاء وجود النظام السّوري في مناطق شمال سورية وشرقها، في ريف حلب والرقة ودير الزور والحسكة، والقسط الأكبر من الريبة في سلوك هذا التنظيم نابع من أدوار أداها على الساحة السّورية، حيث لم يسجل أنه خاض معركة واحدة ضد النظام، بل إنه دأب على احتلال المناطق التي حررتها الثورة من النظام، فهو على سبيل المثال، استولى على المدينة السورية الوحيدة التي تحررت من سيطرة النظام بالكامل، الرقة، وعاث تقتيلاً وقمعاً للسكان في مناطق جلها سنّية كإدلب وريف حلب الشمالي، وعبثوا بأماكن عبادة مسيحية، ويحارب منذ أكثر من سنة أطراف المعارضة السّورية المسلحة كافة، الإسلامي وغير الإسلامي، وبينما براميل الجيش السّوري المتفجرة تسقط على مواقع الجيش الحر وغيره، تستثنى مواقع “داعش”، ولو كانت على بعد مئات الأمتار.

بهذه العلاقة استفادت “داعش” خلال فترة تواجدها في سورية بإعادة تنظيم صفوفها وقواتها، وتعويض معاركها الخاسرة في العراق بانتصارات وهمية على المعارضة السّورية، بالسيطرة على آبار النفط، وما تحقق لها من وفرة مالية جراء ذلك، تمكنت بها من شراء معدات قتالية حديثة، وبالإضافة إلى غنائمها من معدات الجيش الحر، والإعلان عن بداية تحقيق مشروعها بإقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام في المناطق التي سيطرت عليها.

أما عن استفادة النظام من “داعش” فتأتي في شق صفوف المعارضة وإلهائها بمعارك داخلية، بينما يتفرغ هو إلى استعادة بعض المناطق المحررة والمواقع الاستراتيجية الهامة كالقصير ويبرود ومؤخراً كسب، وإعطاء صورة للرأي العام الداخلي والدولي بأن الاحتجاجات الشعبية على الأرض ما هي إلا جماعات إرهابية جهادية طائفية على صورة “داعش”، وهو بدوره يتصدى للإرهاب وحربه ضده مبررة دولياً.

وما قصف النظام “لداعش” في الرقة مؤخراً إلا لفك علاقة “المنفعة” بتنظيم “داعش”، بعد الشكوك الدولية حول هذه العلاقة، والخطورة التي بات يشكلها هذا التنظيم بعد استيلائه على 425 مليون دولار من البنك المركزي في الموصل، ووفقاً لتحليلات الخبراء فإن تنظيم “داعش” بات من أكثر المجموعات الإرهابية الدولية ثراء، بالإضافة إلى استيلائه على كميات كبيرة من الأسلحة التي صنع أغلبها في الولايات المتحدة، ويخاف النظام السوري من استخدامها ضده.

وبالعودة إلى الحراك العسكري الذي بدأ في العراق، قبل أيام، فهو حراك سلمي، انطلق من المناطق السّنية في نهاية عام 2012، وكانت مطالب التحركات الشعبية تصب كلها في وقف سياسة التمييز، المطبقة ضد هذه المناطق بشكل منهجي، لكن المالكي تجاهل هذه المطالب، واتجه إلى التصعيد منذ أشهر، بشن حملة عسكرية على الفلوجة والرمادي بذريعة محاربة “داعش”، ووصل به الأمر إلى استعارة نموذج البراميل المتفجرة الجوية.

في ظل هذه الأوضاع المتردية وجدت “داعش” فرصة بالعودة إلى العراق وبركوب موجة الاحتجاجات فيه مستغلة التخبط الأمني، واستمرار سياسات القمع والتهميش والتمييز الطائفي التي يتبعها المالكي، حيث سمحت الحدود المفتوحة مع سورية لـ “داعش” بأن تصبح طرفاً رئيساً في الحرب بين جيش المالكي وبين المحتجين على تفرده في الحكم، في الرمادي والفلوجة والأنبار عموماً، ويبدو أنها أكملت مهمتها في سورية، وضربت كل قوى المعارضة للنظام السوري، وسيطرت على مناطق استراتيجية هامة لتطبيق مشروعها بإقامة دولة إسلامية، وقد تفرغت الآن للحالة العراقية، خاصة مع وجود بيئة مواتية للحركة، سواء بسبب الصراعات السياسية التي انعكست على الواقع الأمني، أو بسبب حيرة المواطن العراقي بين انتمائه الطائفي وانتمائه الوطني.

وكما تمت إلصاق صفة الإرهاب على الثورة السّورية، يدأب إعلام المالكي والأطراف الإقليمية والدولية حالياً إلى استغلال وجود “داعش” في العراق لإسباغ صفة الإرهاب على التحركات الاحتجاجية في العراق، ويكون له مبرراً لضرب العشائر السّنية بحجة احتضانها “لداعش” وللإرهاب، ويستعطف الحكومات الغربية بعد أن ضاقت ذرعاً بسياسته بحجة أنه يحارب إرهاباً يمنعه من إرساء دولة القانون ومن الحفاظ على مصالحه ومصالحهم، بالإضافة إلى تخفيف السخط الشعبي ضد سياسته، وضد ترشحه لولاية ثالثة، وخاصة الفصائل الشيعية المعارضة استدراجهم للانضمام إليه في محاربة الإرهاب، وخلق شعور عام لدى الشعب العراقي أن الوضع القائم أفضل من القادم محذراً من عودة الحرب الطائفية ومذكراً بتبعات الثورة السّورية.

 

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق