السعودية والتحديات الإقليمية

أتت دعوة الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، لنظيره الإيراني لعقد جلسة حوارات (مفاوضات)، ضمن سياق إقليمي شديد التوتر، يفرض على القوتين الإقليميتين توظيف كافة وسائلهما السياسية قبل الولوج في عملية تصعيد أكبر تهدد المنطقة بأسرها، باتت مقدماتها واضحة للجميع.

تسعى السياسة الخارجية السعودية دوماً إلى انتهاج أسلوب تهدئة الملفات الإقليمية المحيطة بها، واستغلال أدواتها الدبلوماسية في الضغط على أطراف الصراعات الإقليمية للخروج بحلول وسط، غير أن تلك السياسة بدأت تشهد تغيراً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، لصالح تعزيز أدوار أكبر للمفاوض السعودي على الساحة الإقليمية، في مواجهة النفوذ الإيراني المتسع وصولاً إلى احتلال سورية مباشرة، وفي مواجهة الاضطرابات الحتمية الناشئة عقب الثورات في دول الربيع العربي.

في ذات السياق، بدت الولايات المتحدة غير قادرة على الالتزام بصيغة تحالفها مع دول الخليج العربي، والذي ينص على حماية أمن ومصالح طرفي التحالف، وهو ما دفع السعودية إلى البحث علناً عن أطر جديدة تضمن لها تلك المصالح وتعزز بها أمنها، وخاصة بعد التقارب الأمريكي-الإيراني منذ توقيع اتفاق جنيف النووي المؤقت.

جميع تلك المقدمات، تضع السعودية أمام تحدٍ إقليمي واسع لدورها ونفوذها، وكان لها أن أثبتت قدرتها على فرض ذاتها في الملف البحريني رغم ما حمله من إمكانية مواجهة مع إيران، فتراجعت الأخيرة أمام هذا الدور. ذات النهج يمكن للسعودية فرضه على ساحات عربية عدة، أبرزها سورية والعراق ولبنان ومصر واليمن.

لكن لا يكفي لها ما تمتع به من قوة عسكرية تتفوق بمراحل على نظيرتها الإيرانية، بل لابد لها من عمق استراتيجي، يبدو مستباحاً حتى الآن من قبل الحرس الثوري الإيراني، فاستعادة سورية ومعها لبنان بطبيعة الحال، إلى الداخل العربي، عبر تثقيل الأدوات السعودية للإطاحة بنظام الأسد وإنهاء الاحتلال الإيراني، هو مفتاح استعادة فرض القوة السعودية في المجال الإقليمي، ومن ذلك يمكن الدفع بمفاوضات لإنهاء الإشكاليات القائمة في العراق، لصالح توافق عربي-إيراني، أو سني-شيعي. وينساق في ذات الحدث الدفع السعودي لإنهاض دور مصري ساند لها، وموازن للتوسع الإيراني.

إن انفراد السعودية اليوم بعناصر القوة عربياً، بعد أن تم إزاحة الأطراف العربية الأخرى عن المشهد الإقليمي –سورية والعراق ومصر- يفتح للسعودية مجالات مواتية لتفعيل دور تمتلك من المقومات الكثير لإدارته، غير أنه يفرض عليها عبئاً لا يمكن أن تتصدى لها منفردة، دون إسناد عربي وخليجي. وخاصة أن الساحات العربية المشرقية باتت مستعدة، بل وطامحة إلى هذا الدور بغية إنهاء حالة العسكرة القائمة فيها من جهة، وإعادة الاستقرار والبناء من جهة أخرى.

إن أي لقاء سعودي-إيراني مرتقب، ينبغي أن يظهر حجم القوة والدور الذي تسعى السعودية إلى فرضه إقليمياً، وأن يدمج ما بين سياسة العصا والجزرة، وأن يتحاشى تقديم أية تنازلات تطمح إليها إيران، وخاصة أنها ترى في الصراعات القائمة، صراعات صفرية تعتقد بإمكانية اكتسابها بل وتوسيع ساحاتها. في ظل سباق تسلح بات حتمياً على أطراف المعادلة تلك، وتبدو السعودية منتصرة فيها منذ لحظة إطلاقه.

كما يمكن للسعودية استغلال الاضطراب القائم في النظام الدولي، لتعزيز قوتها والتحول إلى سياسة صناعة مناطق النفوذ في هذه الفترة بالذات، التي يعاني فيها النظام الدولي من حالة ميوعة تسمح للجميع بتغير معادلاته الذاتية والإقليمية الخاصة به. ولعله أنسب الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لتغير خارطة القوى وتوازنها في منطقة الشرق الأوسط برمتها، ضمن تحالفات إقليمية تلتقي على ذات المصالح تتسع لتشمل تركيا وباكستان.

 

 

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : السعودية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق