السعودية تقود تحالفات عربية وإقليمية لتعزيز الأمن الإقليمي إلى جانب التزام أميركا بأمن الخليج

التطمينات الأميركية الدائمة لدول الخليج بأنها لن تترك العراق لقمة سائغة لإيران خصوصا قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكن بعدما ساعدت إيران أمريكا في غزوها للعراق دون بقية الدول العربية وتركيا، سلمت أمريكا العراق لإيران، فأصبح الرهان على أمريكا رهان خاسر.

تذكر أمريكا السعودية مع بقية دول الخليج بأنها ملتزمة بأمن الخليج، لكن الخديعة الأمريكية لم تعد تتقبلها السعودية، باعتبارها أكبر دولة خليجية، وهي المسؤولة عن وقف تلك الخديعة والتعامل معها، ولا تزال دول الخليج تتحسس من الخطر الإيراني، التي تتظاهر الولايات المتحدة بأنها لن تتغاضى عن أعمال إيران في المنطقة، في حين هناك ترحيب أميركي بالدور الإيراني في العراق لمحاربة داعش وما يجري في تحرير تكريت السنية شمال بغداد.

رغم الضمانات التي قدمها وزير الخارجية الأميركي كيري للسعودية بأن الاتفاق النووي لن يحجب الرؤية عن التصرفات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في سوريا واليمن، فإن وزير الخارجية السعودية كان واضحا في الرد على كيري عندما قال أن من حق دول المنطقة الحصول على الطاقة السلمية تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية حتى تضمن عدم تغيير مساراتها عن أجنداتها الحقيقية.

كان وضوح خطاب وزير الخارجية سعود الفيصل، يدل على أن هناك اتفاق وشيك بين إيران والدول الست، بينما هناك قضايا وتغيرات جيوسياسية تمر بها المنطقة، وهناك تأخر في الحليف الأميركي وتقدم الحليف الروسي لإيران في المنطقة ما يعني أن السعودية تبحث عن خيارات أخرى إلى جانب خيار الولايات المتحدة.

ترى السعودية أن تكون الطائفية بعيدا عن محاربة داعش، بسبب أن الحشد الشعبي الذي تدعمه إيران بقيادة قاسم سليماني تلجأ إلى تكتيكات تنطوي على مخاطرة تأجيج سخط السنة، وتفاقم الأبعاد الطائفية للصراع، ما يتيح لإيران الاستيلاء مرة أخرى على العراق.

تود إيران أن تعوض تفكك في ائتلاف دولة القانون، وتشكل تحالفا جديدا بين الصدر والحكيم، وهناك جهود مبذولة لجعل التحالف الوطني مؤسسة فاعلة وقوية بحكم ما تمثله من أغلبية برلمانية 180 عضوا من مجموع 328 عضوا في البرلمان وحكومية 17 وزيرا من مجموع 30 وزيرا في حكومة حيدر العبادي للتغلب على الوضع الحالي من تفكك دولة القانون، فيما هناك تحالفا قويا بين الأحرار والمواطن، أي أن إيران والموالين لها في العراق، أي أن إيران وحلفاؤها يريدون تشتيت أكبر قوة برلمانية وسياسية في العراق لأسباب حزبية ومصلحية، فإنهم يرتكبون خطأ إستراتيجيا، خصوصا بعدما أنهى تحالف القوى العراقية مقاطعته لجلسات مجلس النواب العراقي.

شعرت السعودية أن هناك قناعة بدأت تتشكل لدى الرئيس باراك أوباما مفادها أن طهران يمكن أن تكون الحليف المستقبلي الذي يحفظ المصالح الأميركية في المنطقة وهذا سر الترحيب المبطن في كلام ديمبسي بالدور الإيراني في العراق وسكوت واشنطن على التمدد الذي ترعاه القيادة الإيرانية في اليمن.

فضلا عن دور إيران في منع سقوط الأسد في سوريا تزامن مع تصريح المبعوث الأممي دي ميسورا بأن الأسد جزء من الحل قبل توقيع الاتفاقية النووية مع إيران، ما يعني أن التأثير الإيراني في العراق مسعى طويل الأجل، لأنهم ينظرون إلى العراق حجر الزاوية في سياساتهم التوسعية في المنطقة، ومنصة انطلاق للتأثير في العالم العربي، وما يجري مقايضة مرتبطة بالاتفاقية النووية المزمع التوقيع عليها مع الغرب وليس ضمن المستجدات التي تبعت الغزو الأميركي.

لم تكن السعودية قلقة بمفردها من الدور الإيراني في المنطقة الذي أصبح بارزا في دعم مليشيات الحشد الشعبي في الرحب على داعش بل كذلك تركيا.

باتت تتحمل السعودية مسؤولية القرار السياسي العربي الإقليمي بعد انتقال مركز الثقل السياسي والمالي إلى السعودية مركز الثقل الخليجي، لذلك ترى السعودية أن دورا إقليميا أوسع بالتحالف مع دول إقليمية كبرى كمصر وتركيا والباكستان تحالفا يمثل عنصرا هاما لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

بالفعل ظهر البروز المفاجئ لتركيا في مشهد الحرب على داعش أتى هذا البروز بعد زيارة أردوغان للسعودية، عندما اكتشفت الدولتان أن إيران تلعب على التنافس بين البلدين السنيين الكبيرين في المنطقة، مما فرض عليهما أهمية إعادة اللحمة بين البلدين وضرورة التنسيق فيما بينهما لمواجهة التهديد الإيراني الذي يهدد المنطقة، فبدأت تركيا في دعم قوات البشمركة الكردية، وكذلك الحكومة المركزية في بغداد، لمواجهة داعش في ما يشبه قوسا سنيا في شمال العراق وجنوبه يحاول مقاومة التأثير الشيعي الجارف.

هناك تحولا واضحا في مواجهة التهديدات بعيدا عن الولايات المتحدة للحفاظ على أمن الخليج والمنطقة العربية والإقليمية في مشروع يقود إلى تشكيل قوة إستراتيجية عربية إقليمية.

نواة تلك القوة دعما وتعزيزا لأي قرار تتخذه السعودية ومصر بشأن الأزمة اليمنية تشكيل قوة عربية بين السعودية ومصر ودولة الإمارات والكويت يمكن أن تنضم إليها دولة الأردن، يتضح هذا من البيان السعودي المصري، الذي أوضح بأن الدولتين لن تقبلا بالتدخل في الشؤون العربية الداخلية دون الإشارة إلى دولة إيران بالاسم التي لم تعد تخفي تمددها في المنطقة، بل بدأت تعلن عن تمددها في العراق وفي سوريا ولبنان واليمن.

لن تقبل الدول السنية في المنطقة بأن تمس إيران الجوانب الإستراتيجية التي تستهدف مكانة الدول السنية الكبرى في المنطقة وليس فقط السعودية في المعادلة السياسية الشرق أوسطية.

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق