الديماغوجيا “الشعبوية” وأضاليل خامنئي

من المؤكد في العلوم السياسية أن تهافت أي زعيم سياسي على الديماغوجيا علامة شارحة لحالة من الانهيار الأخلاقي، وفقدان القيم السياسية المهنية، والابتعاد عن الواقع بصنع الأضاليل، وخداع الشعب بمخاطبة عاطفته، واللعب بمشاعر المواطنين لإيجاد قاعدة شعبية ترتكز عليها كراسي المناصب، وبعد افتقاد أي زعيم سياسي أو عسكري أو حتى ديني لإنجازات وانتصارات حقيقية واقعية يقدمها أمام أنظار الشعب لتحسين أو تثبيت موقعه كقائد يستند إلى شرعية من الشعب، يجد نفسه أمام طريق واحد يقتضي عليه استخدام الخطاب الشعبوي لتضليل المواطنين وكسب عاطفتهم، من خلال التوجه المباشر إلى الجماهير وفق تقويم إيديولوجي للنيات والنتائج دون تقديم أي إحصاء أو رقم يثبت انتصاراً أو إنجازاً يسجل في حقه.

يدعي فحول الديماغوجيا “الشعبوية” أنهم صوت وصدى وضمير أبناء الوطن، فضلاً عن احتكارهم لفكرة تمثيل الجماهير دون مراعاة لأي من مفاهيم التفويض والتعاقد السليم، ويركزون جل اهتماماتهم على خطاب عاطفي يفتقر لرؤية واضحة أو انتصار حقيقي مع ترويجهم المباشر أو غير المباشر لفكرة وجود أعداء يتربصون بالوطن.

 لذا فإن اختلاف الواقع الملموس عن ما يتضمنه خطاب وتصريحات أي زعيم، دليل على شعبوية هذا الحاكم، وهو ما نجده الآن واضحاً في الحالة الإيرانية، ومدى التناقض والاختلاف بين الوقائع والحقائق في الداخل الإيراني وما تتضمنه خطابات وتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي أمام المواطنين.

المتابع للشأن الإيراني يرى بوضوح حجم توظيف النفاق والوعود الكاذبة ومخاطبة العاطفة ومحاولة تضليل المستمع بإقناعهم بوجود خطر خارجي يجب التصدي له، في خطابات وتصريحات القادة لاكتساب الشعبية وسط الجماهير، حتى اتخذ استغلال هذه الشعبوية طابعاً بشعاً وهستيرياً في الآونة الأخيرة، بسبب كثرة وتزاحم الانتكاسات في سياسة النظام الإيراني، والفشل في إدارة البلاد، وإقحام الشعوب الإيرانية في مشاكل يصعب تجاوزها على المدى القريب في ظل وجود هكذا سياسات خاطئة.

الخبراء والمتابعون يعتبرون الاتفاق النووي الذي تم مؤخراً استسلاما وانتكاساً للنظام الإيراني في الداخل والخارج، بكبحه لأجنحة طهران فيما يخص طموحاتها النووية، وعلى الرغم من جنيها مليارات الدولارات بفعل الإفراج عن أرصدتها المجمدة، إلا أن حجم خسائر المليارات التي أهدرها النظام الإيراني من أجل طموحاته النووية الذي ذهب أدراج الرياح تبقى أكبر، وتبقى الشعوب الإيرانية هي الخاسر الأكبر، ولتحريف هذه المعادلة، عمل النظام الإيراني خلال الأسابيع الماضية عن طريق رجالاته ووسائل إعلامه على الترويج لهذا الاتفاق قبل وبعد حدوثه من أجل تضليل المواطنين بإقناعهم أن هذا الاتفاق يعتبر انتصاراً إيرانياً، وهو ما يفسر نزول بعض المواطنين الإيرانيين إلى الشوارع احتفالاً بهذا الاتفاق.

وكلما كثرت الانتكاسات وكبر حجم الفشل أمام الزعيم، زاد من استخدامه للخطاب الشعبوي أمام المواطنين، مستخدماً كلمات عاطفية ودينية للتأثير على نفس المواطنين وإقناعهم بالالتفاف حوله، وهو ما يفسر كثرة خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي في الآونة الأخيرة، رغم المرض الذي يعاني منه، لكن خطورة الأوضاع وحجم الخسائر التي منيت بها الشعوب الإيرانية بفعل سياسات نظام ولي الفقيه، أجبره على الإطلال على وسائل الإعلام، ومخاطبة الشعوب الإيرانية لتضليلهم.

هذا الأسلوب ظهر بشكل واضح في خطاب خامنئي الأخير، الذي قال فيها أمام حشد من كبار مسؤولي الدولة، وسفراء البلدان الإسلامية المعتمدين لدى طهران: إن الاتفاق النووي مع الدول الكبرى لن يغير سياسة إيران تجاه الحكومة الأمريكية المتغطرسة، ولن يغير سياسة دعمها لأصدقاء في المنطقة، الشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن، والشعبين والحكومتين في سوريا والعراق، والشعب المضطهد في البحرين، والمقاتلين الأبرار في المقاومة في لبنان وفلسطين، وأضاف أن شعوب اليمن والبحرين وفلسطين هي شعوب مظلومة، بينما كان مشركو مكة يكفون عن الحرب في الشهر الحرام، نرى اليوم في اليمن، وفي شهر رجب، وهو شهر حرام، يلقون القنابل والصواريخ على رؤوس الشعب البريء في هذا البلد، وقال: إن دعم المظلوم أمر صريح للإسلام، وإننا سندافع عن المظلوم بأي قدر نستطيع، وسنواجه الظالم”

في هذا الخطاب يحاول المرشد الإيراني توظيف العقيدة الدينية لاستمالة عاطفة الشعوب، كوسيلة شعبوية لتبرير إخفاق الإدارة الإيرانية في مشروعها النووي، وللتعتيم على حجم الفساد المتفشي في أركان الدولة، وإحراف الأنظار عن المشاكل الداخلية التي صنعتها سياسة هذا النظام ومازالت الشعوب الإيرانية تتجرع مرارتها، كما يحاول صناعة مشهد يصور من خلاله وجود أعداء لإيران تتربص بالبلاد شراً لخلق سبب لالتفاف المواطنين حول النظام وإبعادهم عن التفكير بالخروج عنه.

كما أن اعتبار المرشد الإيراني علي خامنئي التدخل في شؤون الغير واجباً دينياً وأخلاقياً، يبين مدى استغلال الخامنئي للخطاب الشعبوي لتثبيت كرسيه المترنح، ويظهر صورة النظرة الحقيقية للنظام الإيراني تجاه استغباء المواطنين.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق