الدور الوظيفي للدولة والمجتمع في سورية (3): فشل السلطة، والرؤية الثورية

رابعاً- مؤشرات فشل النظام الأسدي:

تتسع قائمة المؤشرات الإحصائية الدالة على فشل نظام الأسد في إدارة الدولة والمجتمع قبل الفعل الثوري، وحيث لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، لذا سنورد بعضاً من تلك المؤشرات:

 –      سجل مؤشر الاستقرار السياسي وانتفاء العنف والإرهاب عام 2009 قيمة سالبة (-0.68).

–      كما سجل مؤشر فعالية الحكومية لذات العام قيمة سالبة أيضاً، إذ بلغ (-0.61).

–     على مستوى دخل الفرد، انخفض مستوى دخل الفرد من 1250 دولار سنوياً عام 1980، إلى 1120 دولار سنوياً عام 2000، واستمر بالانخفاض في الأعوام التالية.

–      على مستوى النمو الاقتصادي: بلغ النمو الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي 10.5%، وانخفض في الفترة 1991-1996 إلى 7.33%، ثم عاود الانخفاض في الفترة 1997-2003 إلى 2.51%، فيما كان سجل عام 2000 قيمة صفرية وقد تكون سالبة.

–      سجلت نهاية العشرية الأولى من القرن الحالي، نسبة تسرب من التعليم الأساسي بلغت 2.8%.

–      بلغت نسبة العاطلين عن العمل عام 2010 قرابة 16.5%.

–      كما بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر 34.3% لعام 2009.

–      وقدرت الأموال السورية الهاربة إلى خارج سورية عام 2009، بحدود 135 مليار دولار.

–      سجل النظام على مؤشر الديمقراطية الترتيب 153 عالمياً بقيمة لم تتجاوز 2.36، في حين كانت القيمة المتعلقة بالحريات المجتمعية 1.47. وحيث ارتفع الترتيب في عام 2010 إلى المرتبة 152، لكن مؤشر الديمقراطية انخفض إلى 2.31، مع ارتفاع طفيف في قيمة الحريات المجتمعية إلى 2.06. جميع تلك القيم وضعت سورية في ذيل قائمة الدول التسلطية. ليبدأ المؤشر في التراجع بشكل كبير عام 2011، إذ حلت سورية في المركز 157 بقيمة ديمقراطية لم تتجاوز 1.99، وحريات مجتمعية تكاد تتلاشي بقيمة 0.29.

خامساً- في الرؤية الثورية لوظيفة السلطة:

لم تكن الثورة السورية فعلاً آنياً عابراً للحدود، بقدر ما كانت حراكاً مجتمعياً متواصلاً، وإن شهد بعض الانقطاعات خلال مسيرته منذ تسلط الأسد الأب على الدولة. عدا عن كونها فعلاً يستهدف في أصله تفكيك السلطة/الدولة، وإعادة تأسيسها وفق منطق ديمقراطي انفتاحي. حيث كانت الثورة الكلفة السياسية لتدهور قيمة الدولة.

ذلك يتوضح عبر تطور مسار الحدث الثوري في سورية، فحراك المجتمع استهدف في لحظة الانطلاق الثوري، تفكيك السلطات الأمنية وتسلط الدولة على الحياة المجتمعية، عبر جملة إصلاحات واضحة ومضبوطة زمنياً، لا مجرد شعارات ترفع في حال الطلب.

كان المطلوب من السلطة، مجتمعياً، تفكيك السلطة الأمنية، وإزاحة اللوبيات الطائفية والعائلية الرأسمالية عن التحكم بالمشهد السياسي والاقتصادي، وإطلاق المجال أمام الحريات العامة، بهدف استعادة فعل المبادأة المجتمعية، عبر الإفراج عن المجتمع المدني.

لعل الصورة الأوضح في سعي المجتمع لاستعادة ما هو عام، وصيانة ما هو خاص، كانت صورة سورية في خمسينيات القرن الماضي، عبر جمهورية برلمانية، مفتوحة أمام كافة أشكال الحراك المجتمعي السياسي والاقتصادي.

وخاصة عبر الانفتاح العابر للهويات الفرعية، بالاعتراف بها أولاً، ومن ثم إحقاق فعل المساواة فيما بينها ثانياً. فلم تكن ثورة في انطلاقتها إقصائية على النمط الأسدي، ولا انتقامية بقدر ما تبحث عن عدالة تمتد عبر التاريخ.

إذ إن تشكل المفهوم الثوري عن الدولة المنشودة، كان واضحاً عبر المطالبة بدولة ديمقراطية مدنية، وهي من أهم أسس الدول المعاصرة، مع مراعاة حالة انتقالية تعمل على تحضير المجتمع لاستعادة وظائفه، واستعادة دولته.

من هذا الفهم، يمكن استدراك أهم ملاحم الدولة المنشودة في الفعل الثوري:

–      التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة وشفافة، ومراقبة من جهات محايدة.

–      إطلاق حرية تشكيل الأحزاب بما لا يمس بحرية الآخرين.

–      إطلاق حرية تشكيل المجتمع المدني، والإفراج عن حق التظاهر والتجمع السلمي.

–      احترام الحريات الثقافية واللغوية لكافة التشكيلات المجتمعية، والإقرار بها كمكون رئيس في الهوية السورية.

–      احترام الملكية الخاصة في ظل ليبرالية معقلنة تضمن توزيعاً عادلاً للموارد.

–      إعادة صياغة العلاقة البينية داخل السلطة، عبر فصل السلطات عن بعضها.

–      اكتفاء الجهاز الأمني بوظيفة الحماية الداخلية للمواطن لا للنظام، مع اكتفاء الجيش بحماية الوطن على الحدود من أي تدخل خارجي. وعدم تدخلهما في الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية للشعب السوري.

–      حرية تشكيل وسائل الإعلام وفقاً لمنطوق السلم الأهلي، وبعيداً عن تدخل السلطة.

–      إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقاً لمعايير مهنية بعيدة عن الزبائنية.

–      الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وإسقاط التهم عن المنفيين خارج البلاد. والكشف عن مصير المجهولين.

–      إجراء مصالحة مجتمعية بينية، تعيد تأسيس مفهوم السلم المدني، وتؤسس لهوية جمعية متفق عليها بين كافة تشكيلات المجتمع السوري.

–      إجراء محاكمات عادلة ونزيهة بحق من أجرم تجاه الشعب. وبحق رموز الفساد في البلاد.

–      فك الارتباط الخارجي مع القوى التي تعمل لغير صالح المجتمع السوري، وخاصة التحالف الأسدي-الإيراني، الذي دفع المجتمع لحالة تعبئة عسكرية إيديولوجية لا تخدمه في الأصل.

خلاصة الأقسام السابقة:

يمكن إيجاز ما جاء في هذه الأقسام في النقاط التالية:

–      اعتمد النظام الأسدي في بنية الدولة التي أنشأها، على خمس مؤسسات رئيسة: العائلة، الطائفة، الجيش، الأمن، حزب البعث. يردفها كافة مؤسسات الدولة عبر آلية تحكم طائفي-أمني.

–      إن الوظيفة الأساس لمؤسسات الدولة الأسدية، كانت الحفاظ على النظام السياسي، وقمع أية تحركات داخلية تهدد هذا النظام.

–      شكل القمع الوسيلة الأبرز في إدارة هذه الدولة، عدا عن السيطرة على الفعل الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، وتحويله إلى أدوات سلطوية.

–      تم إقالة المجتمع السوري من مهامه في إنتاج السلطة ومراقبتها، باتجاه تأييد السلطة وحمايته، أي بتحويله من مجتمع مواطنين إلى مجتمع رعية.

–      لم يكن بشار الأسد قادراً على إدارة الدولة على طريقة والده، لذا لجأ إلى إعادة هيكلتها وفق لوبيات داخل الدولة، تسعى لتحقيق مصالحة عائلة الأسد، ومصالحها الخاصة.

–      منذ عام 2000، كان النظام الأسدي يتجه ببطء نحو الانهيار، وخاصة بعد استقالته من كافة وظائفه المجتمعية، والتحول عنها إلى حالة المافياوية السياسية.

–      لم تكن الثورة السورية، فعلا خارج الأطر العقلانية والتاريخية، بل امتداد لمسار مقاوماتي مجتمعي لاستعادة أدواره الوظيفية.

وستبحث الأقسام التالية، في آثار السلطوية الأسدية على المجتمع السوري، وما تم تكريسه من أمراض اجتماعية، وإشكالية الهوية السورية، ومنه إشكالية إعادة رسم الحدود بين المجتمعات، أو حتى أثرها على شكل الدولة السورية. وانعكاس الفعل الثوري على القيم المجتمعية.

                                                                                                                                 (يتبع)

 

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : سورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق