الحوار السياسي غطاء لتمدد الحوثي في اليمن

الحوثي يعاني عزلة شعبية وإقليمية ودولية، وكلما زادت عزلتهم السياسية زاد تمددهم على الأرض مستخدمين تكتيكات حزب الله اللبناني، وعبد الملك الحوثي يتحدث إلى اليمنيين بخطاب استعلائي وكأنه زعيم وطني أو خميني ونسي أنه زعيم مليشيا، ويتحدث عن الشراكة بعدما قام بإقصاء كافة القوى، ولا يريد الحوثيون أحدا مشاركتهم في السلطة.

 عجرفتهم التي يمارسونها تأكل من رصيدهم في ظل الحوار الذي يقوده المبعوث الأممي بن عمر بعد الإعلان الدستوري شارك فيه الحوثيين مع استمرار القوة الحوثية على الأرض من السيطرة على بوابة المحافظات الجنوبية بغطاء من الجيش والأمن والسيطرة على مدينة البيضاء وهي مدينة تاريخية كانت عاصمة الدولة الظاهرية التي حكمت اليمن خلال النصف الأول من القرن العاشر الهجري من أجل أن يحاصر مأرب التي يقع فيها منابع الغاز والنفط عبر أنبوب ممتد منها إلى ميناء بلحاف.

اليمن في لحظة الحقيقة للوقوف أمام تلك المؤامرة  التي ستدخل اليمن في مواقف مكلفة لأن الإعلان الدستوري جعل اليمنيين في كفة والحوثيين في كفة، مما يعزز مشروع إعادة تقسيم اليمن سيكون الرهان الخاسر في القضية الجنوبية ما أسهل أن يمزق العرب أنفسهم وما أسهل أن تستجيب الولايات المتحدة لهذا التقسيم الذي يتوافق مع إستراتيجيتها.

مشهد الانقلاب اكتملت أركانه بعد الإعلان الدستوري، وهو توظيف للزيدية بثمن بخس وزهيد، ويحاولون أن يكونوا رجال دولة ولكنهم رجال عصابات في ملابس رجال دولة، ورهانهم خاسر في الاعتماد على بعض المؤيدين في الجوف وبعض مناطق الشافعية.

هناك ثورة شعبية عارمة ضد الانقلاب الحوثي على شاكلة ثورة 11 فبراير 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، وهذه المرة لاستعادة الدولة من الانقلابيين الحوثيين.

الورقة الجنوبية هي الورقة القوية التي يجب دعمها بعدما فشل الحوثيون في استمالة الجنوبيين، لأن مواجهة تغول هذه الجماعة والتشظي ليس من مصلحة الجنوبيين ولا الشماليين، بل يجب التوحد في وجه هذه الخطة الذي يريد الحوثيون ابتلاع الجميع.

على الجنوبيين أن ينسوا تلقين الشماليين هزائم في عامي 1972و1979 ومحاولة العالم الاعتراف بالجنوب عام 1994 لكن اجتياح الشمال للجنوب حتى أصبح الجنوب تحت الوحدة القسرية بينما في المبادرة الخليجية التي وافقت عليها مخرجات الحوار بأن الفيدرالية ليست تمزيقا للسلطات بل لتوزيع السلطات.

شهد التاريخ السياسي في اليمن الكثير من الصراعات على السلطة بدا من عبد الله السلال الذي تم الانقلاب عليه عام 1969 من قبل الملكيين الذين يلتقي الحوثيون معهم سابقا وحاليا، ثم خلفه الرئيس عبد الرحمن الإرياني تم الانقلاب عليه وعزله، ثم تسنم الرئيس إبراهيم الحمدي لم يلبث بضع سنين حتى تم اغتياله مع شقيقه عبد الله الحمدي، خلفه الرئيس أحمد حسين الغشمي الحمدي حتى تم اغتياله برسالة مفخخة حملها مبعوث من قبل الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي حتى تسلم السلطة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 1978 حتى تنحيه في ثورة 11 فبراير 2011.

والحال لا يختلف عنه في الجنوب إذ أزيح أول رئيس للجمهورية قحطان الشعبي عام 1969 ثم خلفه الرئيس سالم علي ربيع والذي جرى الانقلاب عليه عام 1978 وتصفيته، كما قتل عبد الفتاح إسماعيل عام 1986 بينما غادر الرئيس علي ناصر محمد إلى شمال اليمن إلى حين قيام الوحدة اليمنية ثم علي سالم البيض.

القاسم المشترك بين هذه الأحداث التي تعرض لها الرؤساء صنعت في دوائر سياسية بينما ظلت الدولة باقية ولم تنهر وتسيطر عليها مليشيات مثلما يدور اليوم من خلال سيطرة مليشيات الحوثي.

حاول الرئيس علي عبد الله صالح تصدير القاعدة إلى شبوة لضرب الدولة المدنية من أجل إيجاد مواجهة في الجنوب على أساس طائفي، واستخدام القاعدة تهديدا للسعودية، حتى أصبحت القاعدة أكثر تنظيما تزداد فاعلية لا سيما أن سلطة الدولة لا زالت ضعيفة غير مسيطرة على الأطراف حتى سقطت أبين في أيديهم عام 2012.

كل تأخير في معالجة الأمر السياسي سيصعد الإرهاب خصوصا بعد دخول عنصر جديد وهو المد الشيعي الحوثي في مأرب ووقفه عند هذا الحد دفاعا عن شهامة أبناء مأرب، ولكن يمكن أن تسقط مأرب بعد سقوط البيضاء وستتعقد الأزمة في اليمن، وكما قال أحد الخبراء اليمنيين أن الحوثي يكون قد دخل عش الدبابير وعندها تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

يحتاج اليمنيون أن يراهنوا على أنفسهم وعلي دول الخليج وخاصة السعودية والحل أن تقود السعودية اتفاق طائف جديد للقوى اليمنية على غرار اتفاق الطائف السابق للقوى اللبنانية، لأن التعويل على إيران رهان خاسر وكذلك على المجتمع الدولي.

عندما أسقط الحوثيون صنعاء كان بن عمر لديهم في صعدة، وعندما أسقط الحوثيون البيضاء كان بن عمر يقود حوارا مع كافة القوى بمن فيهم ممثلي الحوثي بعد الإعلاني الدستوري.

الشأن الدولي غائب عن التفاصيل وترك الأمر لجمال بن عمر في ظل غياب الدور الإقليمي الخليجي واكتفائه بتوقيع المبادرة الخليجية والبدء في البحث في آليات التنفيذ بسبب انشغالهم في ملفات أخرى كالملف المصري والعراقي والسوري ترك الساحة اليمنية لمليشيات الحوثي.

اليمن الخاصرة الجنوبية لدول مجلس التعاون الخليجي، والخزان البشري، وأمنه جزء من أمن منظومة أمن الخليج، وأن يكون هناك موقف من دون تردد يرسل رسائل مباشرة ومؤكدة لإعادة التموضع على الصعيد الإقليمي، ولا تسمح بإعطاء إيران جزء من اليمن ضمن مقايضة مع الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي، لأن إستراتيجية الأمن الخليجي أخذ على حين غرة.

موقف الولايات المتحدة الذي أتى من البنتاغون أوضح بأن الوضع الجديد في اليمن أدى إلى تعطيل مكافحة الإرهاب، وهي تدخل ضمن حسابات مركزة ومعقدة، لأن الحضور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وليس فقط في اليمن حضور بعقيدة الفوضى البناءة التي تتوقع أن ينتج عنها تغييرات تتوافق مع إستراتيجيتها.

هناك تناقض في المواقف الأمريكية، وهي مواقف ضبابية إسفنجية مطاطية فضفاضة، ومن الناحية التكتيكية تغض الطرف في اليمن من أجل الملف النووي، وهي سياسة بلا وضوح تتقبل التعامل مع المليشيات العنفية دون معالجات سياسية حقيقية وهي بمثابة بروفات تدخل اليمن في حالة عدم استقرار طويلة كما في أفغانستان والعراق والصومال وسوريا.

يجب أن تلتقط دول الخليج الخيط، والحضور بفاعلية في اليمن حتى لا يترك اليمن للمجتمع الدولي وأمريكا وإيران، وهو أمنه جزء لا يتجزأ من أمن المنظومة الخليجية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق