الجيل الرابع من الحروب

الجيل الأول هو الحروب التقليدية، والثاني هو حروب العصابات، والثالث هو الحروب الوقائية أو الاستباقية، أما الجيل الرابع من الحروب 4GW) Fourth-Generation Warfare)، فهو ما يسمى بـ“الحروب اللامتماثلة” Asymmetric Warfare، التي تتميز باللامركزية، أي حرب دولة ضد لا دولة، حرب جيش نظامي ضد “تنظيمات منتشرة حول العالم وهذه التنظيمات محترفة وتملك إمكانيات ممتازة ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية (ويكيبيديا)”.

تعد الحرب على العراق منذ تسعينات القرن الماضي (بعد حروب أميركا اللاتينية في السبعينات) النموذج الأقوى لما يطلق عليه الجيل الرابع من الحروب.

التسمية أطلقها البروفيسور ماكس مايوراينغ، في “المؤتمر السنوي لأمن نصف الأرض الغربي” بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل بتاريخ 2012/8/13 (youtube.com/watch?v=jgWD8ljMFQc) وهو أستاذ باحث في الاستراتيجيات العسكرية، عمل بالمخابرات العسكرية الأميركية، وبمعهد الدراسات الاستراتيجية (SSI) وكلية الحرب للجيش الأميركي، ووصف مايوراينغ هذه الحرب بالخطوات التالية:

1 – الحرب بالإكراه، أي أن على العدو قبول الحرب رغما عن إرادته. ولتحقيق هذا العنصر يجب النجاح في عمليات طويلة أهمها “الإنهاك والتآكل ببطء ولكن بثبات لإرادة الدولة المستهدفة من أجل اكتساب النفوذ (gaining influence) وإرغام العدو على التنفيذ بالإكراه… وأحيانا يكون التدخل دمويا كما حدث في عملية الصدمة والرعب الذي ضرب بغداد، أو غير دموي كما في الحرب الكورية، والهدف هو الوصول إلى نقطة التأثير على العدو”.

2 – زعزعة الاستقرار (Destabilization) دون جيوش.

3 – استخدام قوات غير نظامية من الرجال والنساء والأطفال من المواطنين ومتعددي الجنسيات، مؤكدا أن “زعزعة الاستقرار ممكن أن تأخذ صورا متعددة، مثلا بواسطة مواطنين من دول العدو”.

4 – استخدام القدرات العقلية، أو ما وصفه أيضا بـ“القوة الذكية” Intelligent Power وليست قوة النيران، وأعطى المحاضر مثالا على ذلك قائلا “إن جدار برلين لم تسقطه الدبابات والمدفعية بل أسقطه المارك الألماني”، وفي هذا “تُستخدم وسائل الإعلام الجديد والتقليدي ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخبارية والنفوذ”.

5 – خلق الدولة الفاشلة، أي إفشال الدولة من أجل “فرض واقع جديد”، وأكد أهمية عدم استعمال هذه الكلمة (الدولة الفاشلة) للحفاظ على العمل بدبلوماسية وعدم استفزاز الطرف الآخر، وإن بعضا من هذا العنصر ينحصر في جعل جزء من الدولة لا يخضع لسيادتها، وإعطاء هذا الجزء تسمية “إقليم محكوم”، ولكن الدولة ليست هي من يتحكم فيه، بل مجموعات غير تابعة للدولة، وهي مجموعات محاربة وعنيفة وشريرة، وأحيانا مبهمة.

6 – وبعد خلق الدولة الفاشلة يمكن التدخل والتحكم فيها “وأبعد من ذلك” مؤكدا ضرورة عدم ترك هذه الدولة ليختطفها الآخرون.

وذكر البروفيسور مايوراينغ أيضا أن هذه الخطوات عندما “تكون جيدة والمدة كافية ببطء كاف وباستخدام الطابور الخامس”، فالنجاح يكون مؤكدا، وشبّه كل ذلك بالمثل القائل “يذهب العدو للنوم، ويستيقظ ميتا”.

إذن أهم عناصر حروب الـ4GW، كما ورد في تلك المحاضرة الخطيرة، هي:

1 – الإرهاب، وقواعد إرهابية وطنية أو متعددة الجنسيات.

2 – استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية والحقوقية والعسكرية لتشكيل حالة من الإرباك وعدم الاستقرار.

3 – تفتيت الدولة الواحدة واستخدام تكتيكات التمرد والميليشيات.

4 – حرب الإعلام والإشاعات (القوة الذكية).

إن تفاصيل المحاضرة المذكورة تؤكد مقولة فرانكلين روزفلت، الرئيس الأميركي الأسبق “لا شيء يحدث على سبيل الصدفة في عالم السياسة، وإذا حدث فاعلم أن ذلك مخطط له كي يظهر وكأن كل شيء قد حدث على سبيل الصدفة”.

والمحاضرة تفسّر بعضا من حقيقة أحداث الحروب التي تعاني منها منطقتنا العربية بالإكراه. هذه الأحداث التي لعبت وسائل الإعلام فيها دورا خطيرا لتوجيه الرأي العام بعيدا عن الحقيقة، فهذه الأحداث الخطيرة لا يمكن إلا أن تكون مرسومة ومخططا لها مسبقا في الغرف المغلقة.

ونستخلص مما سبق أن الجيل الرابع من الحروب (4GW) التي تدور في بلداننا هي صناعة محكمة بتخطيط فائق الذكاء، وبأدوات في منتهى الخطورة، بدءا بصناعة وانتشار ظاهرة الإرهاب المرعبة في ما بين الواقع والعالم الافتراضي، وقوائمها وتشريعاتها الخطيرة، وأدواتها المحصورة في الدين والإعلام والتكنولوجيا، وانتهاء بقائمة الدويلات الفاشلة المفتتة الجاهزة لإلغاء سيادتها وتسليم إرادتها الكاملة إلى الخارج.

وما كانت تلك الحروب لتنجح دون الإعلام الذكي ووسائله التكنولوجية… لقد نجح ذلك الإعلام في التلاعب بالقلوب والعقول، في حرب نفسية خطيرة عبر كل وسائل التكنولوجيا التقليدية والحديثة، في تحويل الفرد العربي إلى أداة من أدوات نجاح تلك الحرب ضد نفسه.

لربما ينير لنا هذا المقال شيئا من الوقائع غير واضحة المعالم لمجريات أحداث الوطن العربي من خليجه إلى محيطه، أملا في أن تكون المعرفة بالأمر نقطة ضوء تنير طريقنا للحفاظ على أوطاننا ومستقبل أبنائنا من الضياع والتشرد والجوع الذي فُرض على الآخرين بالإكراه… ومازالت هذه الحرب مستمرة.

فأرجو من القارئ قراءة هذا المقال أكثر من مرة لأهمية مضمونه وخطورة المرحلة التي تمر بها الأمة جمعاء.

نقلاً عن العرب اللندنية

سميرة رجب

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق