الآن في البحرين.. الحكومة تحتاج لنيل الثقة من البرلمان

تخوض البحرين تجربة ديمقراطية مثيرة للاهتمام هذه الأيام، وبحاجة إلى أن تسلط عليها الأضواء وتتابع متابعة حثيثة من المراقبين المعنيين بالتطورات السياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
البحرين اليوم الدولة الخليجية الوحيدة التي يتيح نظامها السياسي انتخابات نيابية حرة تنتخب 40 نائبا يمثلون 50 في المائة من السلطة التشريعية يشاركهم 40 عضوا معينا من عاهل الدولة، تنفرد الغرفة المنتخبة من السلطة التشريعية بجميع الاختصاصات الرقابية على السلطة التنفيذية، فبالإضافة إلى حق السؤال وحق تشكيل لجان التحقيق وحق الاستجواب وطرح الثقة بالوزير وعدم التعاون مع رئيس الوزراء، أضيفت أخيرا التعديلات الدستورية الجديدة ولأول مرة تملك هذه الغرفة اختصاصا جديدا يعطيها اختصاصا للرقابة المسبقة، ويجبر الحكومة على نيل الثقة من هذه الغرفة قبل أن تباشر عملها.
فمن خلال تصويت النواب المنتخبين وحدهم على «برنامج عمل الحكومة» بإمكان الحكومة بعدها أن تباشر عملها، فإن لم تحظَ بنيل ثقة النواب تستقيل الحكومة فورا ويشكل الملك حكومة جديدة، وتفاصيل هذا الاختصاص الذي سيفعل للمرة الأولى في هذا الفصل التشريعي الجديد، أن تلتزم الحكومة بتقديم برنامجها خلال شهر من تشكيلها للمجلس المنتخب، فإن رفضه 21 نائبا من أصل 40، سحبته الحكومة وعدلته وأعادت تقديمه مرة ثانية، فإن رفضه في المرة الثانية 27 نائبا، تستقيل الحكومة تلقائيا، ويعتبر ذلك التصويت طرحا بالثقة في الحكومة؛ مما يستدعي أن يشكل الملك حكومة جديدة تمر بالإجراءات ذاتها، فإن رفض البرنامج الجديد من الحكومة الجديدة مرتين، جاز للملك هنا إما أن يقيل الحكومة الثانية أو أن يحل المجلس ويدعو لانتخابات جديدة خلال شهرين من تاريخه.
كي تقاس هذه الخطوة بموضوعية ويحكم عليها بعيدا عن التجاذبات السياسية، فإن علينا أن نقيسها مقارنة بالأنظمة الإقليمية التي تقع هذه الدولة ضمن إطارها السياسي؛ أي ضمن إطار النظم السياسية في دول مجلس التعاون؛ حيث لا يوجد هذا الاختصاص وتلك الصلاحية حتى في الدستور الكويتي الذي سبق البحرين، كما لا يوجد في التجربة العمانية، وحتما لا يوجد في الدول الخليجية الأخرى التي ليست بها مجالس نيابية، كما يقاس هذا التطور بمدة الفترة الزمنية للتجربة إلى أن أدخل عليها هذا الاختصاص، وهي في الحالة البحرينية 12 عاما فقط، وتعتبر تجربة وليدة، وتقاس مقارنة بالفترات الزمنية التي مرت بها التجارب الديمقراطية العريقة في العالم حتى أخذت بهذا الاختصاص، وهي فترات امتدت لمئات السنين، وتقاس – وهذا هو الأهم – بمدى أهلية المجتمع المدني وتطور القوى السياسية التي سيناط بها حمل هذا الاختصاص وتفعيله حين تحصل على مقاعد نيابية، وفي الحالة البحرينية هي أحزاب سياسية بعضها حديث التشكيل والتبلور، وبعضها الآخر تحكمه آيديولوجيا دينية، وأحزاب يسارية مثقلة بإرث الصراع السياسي التاريخي الذي دار بين تنظيمات مسلحة والسلطة، وهذه كلها عناصر تجعل من الأيدي التي ستوضع في عهدتها تلك الأداة أيدي مقيدة بحسابات لا علاقة لها بمدى فاعلية البرنامج الحكومي من عدمه.
في النهاية، كل تلك المعايير مجتمعة بإمكانها أن تعطي حكما موضوعيا على طبيعة ونوعية الإصلاحات السياسية في هذه الدولة أو تلك، ليستطيع أي مراقب أن يحكم إن كانت تلك الاختصاصات النيابية خطوات متقدمة جدا أو كانت بطيئة أو كانت صورية.
ما يميز هذه التجربة الجديدة أنه على الرغم من أن المشرع أعطى للإرادة الشعبية دورا في التشكيل الحكومي، فإنه وجهها للتصويت على «برنامجها» تجنبا للوقوع في فخ المحاصصة الطائفية بالتصويت على أسماء الوزراء، كما هو الحال في دول أخرى، ففي مجتمع ما زال الانقسام الطائفي يحكم علاقاته السياسية كما يحكمها اجتماعيا وتتشكل فيه الأحزاب السياسية وفقا لآيديولوجيات دينية لا وفقا لبرامج حزبية، فإن السمة الغالبة على مجالسها النيابية، كما في لبنان والعراق والبحرين، سيحيل التصويت فيه على أسماء الوزراء إلى محاصصة طائفية تتقاسم فيها تلك الأحزاب الدينية السلطة التنفيذية مثلما اقتسمت السلطة التشريعية، وتتحول فيها قصة التشكيل الوزاري إلى كربلاء جديدة، الغلبة فيه للعصبة الطائفية لا للكفاءة ولا للمصلحة العامة، ويحدث ذلك عادة باسم «الإرادة الشعبية» وهي منه براء، لذا تجد التقدمية والعصرية بارزة وظاهرة في متن النص الدستوري، لكنه نص يلد مولودا مشوها مليئا بالعاهات حين يوضع في يد جماعات تشكلت وتحزبت على أسس ماضوية تغوص في قعره تبحث فيه عن انتماءاتها المنفصلة تماما عن حاضرنا وواقعنا.
عالج الدستور البحريني هذه الإشكالية بأن جعل الإرادة الشعبية ضرورة لينال «البرنامج» الوزاري الثقة، لا الأسماء الوزارية، فلا ننشغل بانتماءات وطائفية الوزير المطروح لنيل الثقة، ولا نتقاسم الوزارات بناء على من يقف من الوزراء مع علي ومن يقف منها مع عمر!
البحرين اليوم مشغولة بهذا الاختصاص الجديد الذي حرك الساحة السياسية مبكرا، فوجدنا الحكومة الجديدة مشغولة وتستعد مبكرا بحملة من العلاقات العامة وحملة إعلامية تحاول أن تضبط بها إيقاع الاعتراض على البرنامج قبل أن يعرض على المجلس النيابي، فزار رئيس الوزراء المجلس النيابي مبكرا في خطوة استباقية تكسر حاجز الجليد بين السلطتين، واجتمع مع رجال الصحافة والإعلام، وأبدى فيه استعداد الحكومة واستعداده شخصيا لتقبل النقد وتقبل الرأي المخالف والتعديل إن أمكن على البرنامج في حال عرضه، فالحكومة تستعد بهذه الزيارات والاجتماعات بخطة تسويقية لبرنامجها الحكومي تكسب فيها الرأي العام، كل ذلك قبل أن تطرح برنامجها لنيل الثقة، وهناك وفق تصريحات المسؤولين برنامج لاحق سيعقب بيان الحكومة الذي ستتلو فيه برنامجها على النواب، لكن الحكومة في كل الأحوال لن تتمكن من المراهنة على حملة العلاقات العامة فقط لتمرير برنامجها دون أن يكون البرنامج مقنعا للرأي العام وفق جودته وتلبيته لاحتياجات المرحلة القادمة.
في كل الأحوال تعتبر هذه الخطوة تقدما وتطورا كبيرا وبامتياز في قياس التجربة الديمقراطية في هذا البلد الصغير ذي الدخل المحدود قياسا بدول مجلس التعاون، تقدما يقاس بهذا الحراك النوعي في طبيعته داخل وخارج البرلمان؛ حيث أدى هذا الحراك إلى وجود هذه الدرجة من الرقابة الشعبية المسبقة على السلطة التنفيذية التي تحتاجها لنيل الثقة، إضافة للرقابة اللاحقة التي تتمتع بها الغرفة المنتخبة وتضاف إلى وجود محكمة دستورية بإمكانها الطعن في قرارات أو قوانين سابقة أيا كان مصدرها حتى وإن كانت مراسيم ملكية ووجود اختصاص وصلاحية رد المراسيم الملكية، ورفضها عند السلطة التشريعية أيضا، لتخطو البحرين خطوات ثابتة وراسخة نحو الملكية الدستورية؛ حيث تكون الإرادة الشعبية شريكا فاعلا تفوق في عدة مفاصل اختصاصاتها الصلاحيات الملكية.

سوسن الشاعر

نقلا عن الشرق الأوسط

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق