Image

إيران ورقصة الحرب على الإرهاب

لم يتوانى النظام الإيراني بالآونة الأخيرة بالكشف علناً عن خفايا كانت إلى زمنٍ قريب ضمن خططهِ السرية في المنطقة العربية، ومنها زعمه بأحقية الدفاع عن الأماكن الشيعية المقدسة؛ وبغية الإعداد والتمهيد لهكذا تدخل فقد عمد النظام الحاكم في إيران إلى مدّ أذرعه الأخطبوطية داخل المناطق العربية، لا سيما في العراق حيث مركز الثقل المكاني للعتبات والأضرحة الشيعية في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء وغيرها من المواقع. بالإضافة إلى تدخلاته السافرة في لبنان والبحرين واليمن وسوريا، لا سيما احتلاله للجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، تعتبر “منظمة بدر” الذراع العسكري السابق للمجلس الأعلى الإسلامي، التي أسسها النظام الإيراني في 1982، أبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، من بين الأذرع الأخطبوطية القوية في تنفيذ المشروع الصفوي الإيراني القائم على النزعة والفتنة الطائفية والتوجه الفارسي العنصري ضد العرب المسلمين. وخطورة “منظمة بدر” في العراق تكمن في التوغل السريع والمدروس في بنية وتشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية، حيث زجت بعناصرها من ضباط الدمج وغيرهم، لكي تمسك بالعصب الأمني والعسكري من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي تتحرك بلباس رسمي وغطاء قانوني في شن الإعتقالات الطائفية وما يترتب على ذلك في الزج بغياهب السجون السرية والعلنية وما يرافقها من أعمال تعذيب وحشية رهيبة، حيث القتل والإعدامات والتصفيات.

ولذلك تجد أن رئيس المنظمة هادي العامري دأب ما بين 2005-2006 على تأسيس “الجهاز المركزي” في وزارة الداخلية، مهمته تنحصر في تصفية كل مَنْ يُعارض النفوذ الإيراني وقتذاك، ولقد كلفه بهذه المهمة السفير الإيراني في بغداد كاظمي قمي وهو من رجال المخابرات الإيرانية، وكذلك قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري. أعني أن السفير كاظمي لم يكن من السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية الإيرانية، وكذلك خليفته الحالي حسن دنائي فر، فكلاهما من قادة الحرس الثوري، مما يعني أن الهدف الإيراني في العراق ليس وفق العلاقة الدبلوماسية الواجبة بين دولتين، بل وفق بناء أمني تكمل فيه إيران سيطرتها على صناعة القرار السياسي العراقي.

وبما أن ثوار العشائر العربية وما حققوه من تحرير لنصف مساحة العراق، وإنهيار المنظومة الأمنية والعسكرية لقوات حكومة الظل الإيرانية في بغداد بتاريخ 10-6-2014، فإن الإعتماد صار جلياً على الأذرع الطائفية المسلحة: مجاميع هادي العامري، وقيس الخزعلي، وواثق البطاط وغيرها الكثير؛ فضلاً عن “الحشد الشعبي” وفق فتوى السيستاني “الجهاد الكفائي” الذي يجيز القتل الطائفي بحجة محاربة الإرهاب، مجزرة “مسجد مصعب بن عمير” نموذجاً. حيث أكد محافظ ديالى عامر المجمعي في 27-8-2014 أن الذين أرتكبوا المجزرة في صلاة الجمعة بمسجد “مصعب بن عمير” بتاريخ 23-8-2014 هم من “الحشد الشعبي” أمثال: منير مزهر حاجم الزركوشي، وأخوته سالم وصدام الزركوشي الذين تم إلقاء القبض عليهم. فكل الأوراق الطائفية الإيرانية قد تكشفت ولم يبقى في القوس منزع.

وفي هذا الإتجاه أيضاً، فإن الإخفاقات الإيرانية في تأجيج نار الصراع الطائفي في بعض البلدان العربية، ومنها البحرين والكويت؛ علاوة على فشل إيران السياسي بإدراج ملف العراق ضمن ملفها النووي بمفاوضاتها مع الغرب، ناهيك بالأزمات الداخلية التي يعانيها النظام الإيراني سياسياً وأقتصادياً وأجتماعياً، فإن مجمل هذه الأوضاع المضطربة بدأت تدفع بالقيادة الإيرانية إلى التلميح بإستعمال القوة بشكل إنفرادي مباشر، ولكي تجد  لنفسها مخرجاً مقبولاً داخلياً وخارجياً، فأن ذريعة الدفاع عن المواقع الشيعية المقدسة هي من بين المخططات التي راح يُركز عليها حُكام إيران.

وبذا فإن ما أشار إليه وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني يوم الأثنين الموافق 26-8-2014، حيث يقول أن: إيران لن تعير أي إهتمام للمجتمع الدولي عند تدخلها عسكرياً بالعراق إذا تعرضت المواقع المقدسة لأي أستهداف محتمل، وأنها ستواصل لعب دورها في هذا البلد. وأكد رحماني أن: الرئيس الإيراني روحاني أمر الجهات المعنية بالتدخل العسكري السريع والمباشر في حال تعرضت الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء لأي تهديد محتمل. وقال رحماني أيضاً: أن التدخل العسكري الإيراني لن يكون محدوداً، وأن إيران مستمرة في تأدية دورها برغم كل ما يبذله المعارضين للدور الإيراني بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة، وحاولوا إضعاف حلفاء إيران في فلسطين وسوريا والعراق.

وعندما تنشر صحيفة “وورلد تربيون” الأمريكية في عددها الصادر يوم الأربعاء المصادف 27-8-2014 عن أن إيران قد أرسلت آلافاً من عناصر الحرس الثوري الإيراني ودبابات وناقلات جنود مدرعة ومروحيات إلى شمال العراق لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية، وأن الوحدت الإيرانية تتحرك داخل وخارج العراق عند الحدود الإيرانية الشمالية للتأكد من أن عناصر التنظيم لا تدخل صوب إيران. وقالت الصحيقة: أن الفرقة 81 المدرعة بالجيش الإيراني تعمل الآن بالقرب من وحدات الحكومة الإقليمية الكردية قرب مدينة خانقين (بمحافظة ديالى بالعراق) والتي تتكون من عناصر ذوي خبرة في عمليات محاربة الأكراد في إيران.

معنى هذا أن ذريعة التدخل للدفاع عن المقدسات الشيعية في العراق مجرد أكذوبة يستخدمها النظام الإيراني للتغطية أو للتبرير في تدخله العسكري السافر من جهة، ولإنقاذ مشروعه السياسي بالمنطقة من جهة أخرى. وإلا فإن المسافة الجغرافية بين محافظات شمال العراق ووسطه تجعل محافظتي النجف وكربلاء في مأمن زمني كافٍ تجاه درء أي خطورة قادمة إليها من عناصر إرهابية بالشمال.

أن التحرك الإيراني سوى بحجة المشاركة في مكافحة الإرهاب، أو بذريعة حماية المقدسات الشيعية، فإن النظام الإيراني يبدي قفزات عسكرية راقصة على إيقاع الحرب داخل المحيط العربي، لكنها رقصة قتالية عرجاء الساق وعوجاء الجسم، فإرهاب الميليشيات الطائفية المدعومة علناً من إيران قد أعترفت بها حتى الصحافة الغربية، ومنها صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقريرها المطول الذي نشرته بتاريخ 25-8-2014 عن الجرائم الميليشية في محافظة ديالى، حيث وصفتها بأنها ليست أقل سوءاً من أفعال ما يعرف بتنظيم الدولة السلامية في العراق. ونصت الصحيفة في تقريرها إلى أن هناك أدلة موثقة تؤكد أن الميليشيات قامت بتطهير عرقي لنحو 50 كليومتراً من محافظة ديالى، إذ تحولت المناطق الزراعية فيها إلى أرضٍ خربة بعد دخول الميليشيات إليها، وأستحواذها على عدد من القرى بحجة تأمين الخطوط الدفاعية لها؛ وتنقل الصحيفة شهادات موثقة من ديالى تؤكد بأن الميليشيات إذا فقدوا أحداً من عناصرهم في المعارك فإنهم يقومون بمهاجمة القُرى الآمنة ويخطفون أبنائها ويهجرون النساء والأطفال بدافع الإنتقام.

هذا وأن قول مسعود البرزاني بأن: إيران أول دولة زودت قوات البيشمركة الكردية بالسلاح والذخيرة لمواجهة مجاميع تنظيم الدولة الإسلامية. فإن مسعود البارزاني بالقدر الذي كشف في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أربيل يوم الأربعاء الموافق 27-8-2014 عن هذا الإسراع الإيراني الذي سبقت فيه دول غربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فإنه يكشف لنا أيضاً عن الهدف الإيراني بالتقارب مع الكتلة الكردستانية من أجل عودتها ودعمها لحكومة المركز في بغداد لتكسب إيران أرضية لصالحح ديمومة مشروعها الذي يتعرض لخطر الثوار منذ ثلاثة شهور تقريباً.

أن ما تقوله إيران عبر وزير داخليتها عبد الرضا رحماني، فإنه إمتداد طبيعي للموقف الإيراني منذ ثورة العشائر العربية، ففي 18-6-2014 أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني بكل وضوح إلى:

“إن الشعب الإيراني العظيم لن يأل جهداً في الدفاع عن العتبات المقدسة في العراق”. لكن هذه المرة صار الكلام الإيراني بلغة أكثر حدية وإستفزازية في تدخلها العسكري المباشر. رغم أن التدخل العسكري الإيراني في العراق خصوصاً وفي سوريا عموماً واضح وموجود. ولقد نقلت صجيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير نشرته في 26-6-2014 عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إيران أرسلت طائرات الإستطلاع دون طيار فوق العراق من مطار في بغداد، كما تزود العراق سراً بأطنان من المعدات العسكرية والإمدادات وغيرها من المساعدات. علاوة على نشر إيران وحدة للإستخبارات لأغراض الإتصالات وجمع المعلومات لمساعدة نوري المالكي ضد المقاومين السّنة، وتم توزيع تقريباً عشرة ضباط من فيلق القدس لتقديم المشورة للقادة الميدانيين لدى المالكي. وأكدت الصحيفة إن الجنرال قاسم سليماني قد زار بغداد مرتين على الأقل لمساعدة المستشارين العسكريين العراقيين، وإن طائرات النقل الإيرانية تقوم يومياً برحلتين لحمل المعدات والإمدادات العسكرية إلى بغداد (70 طناً في الرحلة الواحدة) إلى القوات الحكومية.

أن إيران التي تحارب بشكل غير رسمي في العراق وسوريا واليمن، يبدو أنها في الأقل تريد الإعلان عنه رسمياً في العراق تحت الأسباب التي ذكرناها آنفاً. إذ أن شعار “شيعة علي هم الغالبون” الذي ترفعه الطبقة الدينية الحاكمة في إيران وتداوله مع الأذرع الأخطبوطية التابعة لها، فإن مستجدات الواقع والوقائع تضغط على النظام الإيراني أن يتحرك بشكل علني، لا سيما وأن نجاح الثوار في الزحف نحو بغداد يعني إنهياراً حقيقياً للمشروع الطائفي الإيراني ليس في العراق فحسب، بل وفي المنطقة العربية برمتها.

وهكذا تروم إيران الإفصاح عن خطورة زوال مشروعها الصفوي الطائفي والعنصري بالدبكة على إيقاع الحرب، علها تخيف الآخرين من دمويتها، أو تتمكن من كسب الوقت لصالح تحركاتها في المنطقة. خصوصاً وأن الولايات المتحدة تدرس توسيع قصفها الجوي لتنظيم الدولة الإسلامية من العراق إلى سوريا، كما وأن النيتو قد أعلن عن أستعداده لدعم العراق عسكرياً، حيث أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرسن فوغ راسمونسن في 27-8-2014 عن أستعداد الحلف للتدخل عسكرياً ومساعدة العراق بشأن القضاء على التنظيمات المسلحة، إذا طلبت منه الحكومة العراقية ذلك. وإن معنى “القضاء على التنظيمات المسلحة” حسب تصور النظام الإيراني يعني الإرهابيين الذين هم من المذهب السّني، كما أوضحت للإدارة الأمريكية سابقاً؛ وبالتالي تود المشاركة في هذه الحرب.

بيد أن إتباع سياسة أذن من طين وأخرى من عجين لا يمكن تسويقها محلياً أو أقليمياً ولا حتى دولياً، فإن إيران ضالعة بالإرهاب الطائفي الدموي الذي يستعر في العراق منذ أثنتي عشرة سنة تقريباً، وكذلك في سوريا لأكثر من ثلاث سنوات خلت، وعلى نحو أقل عانت منها لبنان والبحرين واليمن. فلا تستطيع إيران أن تعتمد على  سياسة إصطياد المضطرين للتقارب معها سواء مع الجانب الكردي في العراق، أو الفصائل الفلسطينية في غزة بحربها ضد إسرائيل؛ لأن سياسة تقارب المصالح شيء، ومشروع إيران الطائفي في المنطقة العربية شيء آخر؛ فالأول يتحرك بحسب المستجدات والمتغيرات والمتطلبات التي قد تعطل المصالح إن لم تنقلب على الضد تماماً، أما الثاني ففيه ثبوتية الإستمرار في تحقيق الأهداف المطلوبة والمرسومة سلفاً، وعليه لا يمكن للنظام الإيراني أن يجمع بين الأثنين، حيث يتشدق بالمساعدة العسكرية الفورية لأكراد العراق، بينما أكراد إيران في إضطهاد وتعسف معروف لدى الجميع، وكذلك الوقوف بصف فصائل المقاومة الفلسطينية دون أن ترسل إيران ولا جهادياً واحداً يستشهد من أجل القدس في قتاله ضد العدو الصهيوني. ومن هنا نرى أن التحرك الإيراني الحالي ليس أكثر من تحرك راقص على إيقاع الحرب على الإرهاب.

د. عماد الدين الجبوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق