إيران فاقد الشيء لا يعطيه

يحاول النظام الإيراني التظاهر بمظهر البراءة وبخاصة فيما يتعلق بكثير من القضايا التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط. هذا المظهر البريء وعباءة المظلومية التي يرتديها النظام خدعا البعض في المنطقة والأهم في العالم الغربي إلى درجة الوصول إلى مرحلة تصديق بعض المزاعم الإيرانية أو الاقتناع بها وإن كان ذلك بدرجات متباينة.
سوف نسرد جزءا يسيرا للتناقضات الإيرانية والتضليل الإعلامي الذي يعكف نظام طهران على تسويقه إقليميا ودوليا. فعلى سبيل المثال، تنص المادة “154” من الدستور على “التزام إيران بالعمل على إقامة حكومة الحق والعدل في أرجاء الأرض وحماية المستضعفين”. إنها بهذا النص تزعم دفاعها عمن تطلق عليهم مصطلح “المستضعفين” بينما الواقع يقول إنها تقذف بهم إلى الهاوية وطريق اللارجعة لخدمة مصالحها السياسية كما فعلت في البحرين واليمن والعراق وغيرها. أيضا يزعم نظام ولاية الفقيه أنه يدعم الشيعة حول العالم ويرى أنه الحامي الأول لهم ويتولى الدفاع عن حقوقهم، وفي المقابل نجد أنه قد أسهم ولا يزال في قتل الشيعة الأحوازيين في إيران ذاتها بدوافع قومية بحتة، أما خارج حدود إيران فقد دعم في بداية التسعينات من القرن الماضي أرمينيا المسيحية ضد جمهورية أذربيجان التي يشكل فيها الشيعة نسبة 90% من السكان، فكيف يزعم أنه يدافع عن الشيعة وهو إما يضطهدهم في الداخل أو يدعم أعداءهم من غير المسلمين كما حدث في الحالة الأذربيجانية!
كذلك تزعم طهران أنها تحارب الإرهاب وقد روجت لذلك بشكل مكثف خلال فترة المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 وتدّعي أنها قد أنقذت سورية والعراق من داعش وغيرها من الجماعات “التكفيرية”، بينما نجدها تدعم الإرهاب الشيعي الذي يقتل على الهوية متمثلا في المليشيات وفرق الموت في لبنان وسورية والعراق والبحرين واليمن، الأمر الذي لا يختلف مطلقا عن “القاعدة” و”داعش”. فكيف تحاول إقناع العالم بدورها في مكافحة الإرهاب وهي تدعمه على كافة الأصعدة؟ كما أنها لم تتضرر يوما من هذا الإرهاب الذي يشكل خطرا حقيقيا على الأمن في المنطقة والعالم، على الرغم من أن كل جانب يرفع شعار العداء للآخر وهي مسرحية واضحة لا ينخدع بها إلا السذج. ولعل آخر تلك المسرحيات رسالة خامنئي قبل أيام للشباب الغربي التي يتهم فيها الحكومات الغربية وبعض دول المنطقة السنية بدعم الإرهاب، ويقدم إيران على أنها دولة تحارب الإرهاب وتسعى لتحقيق الأمن والسلام في العالم. إن إيران تدعم أشد أنواع الإرهاب خطورة وهو ذلك المدعوم من قبل الدول، علاوة على ذلك قام النظام الإيراني بتنفيذ أو التخطيط لعشرات العمليات الإرهابية حول العالم، وآخرها ما أعلنت عنه كينيا قبل أيام عندما اعتقلت إيرانيين كانا يخططان لتنفيذ عمليات إرهابية في البلاد، وقد تدربا في معسكرات الحرس الثوري الإيراني.
من جانب آخر، تدّعي إيران أنها تدافع عن قضايا المسلمين وبخاصة القضية الفلسطينية وهي بذلك تستغل هذه الورقة لتحقيق مكاسب سياسية إقليميا ودوليا، وبالتالي لا ترغب مطلقا في أي حل لها حتى لا تخسر هذه الورقة، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، ومنها معارضة إيران في 1982 للمبادرة السعودية التي تبنتها جامعة الدول العربية لحل القضية الفلسطينية. آنذاك دشن الخميني حملة إعلامية وسياسية تهدف إلى إجهاض المبادرة ووصفها بأنها مشروع غربي إسرائيلي لتمييع القضية الفلسطينية أو نسفها. والسؤال كيف يكون ذلك وإسرائيل والغرب قد رفضا المبادرة؟ السبب ببساطة أن إيران ترغب في استمرار هذه القضية لمزيد من التداخلات في الشأن العربي عبر الورقة الفلسطينية.
كذلك تزعم طهران أنها تدافع عن حقوق الإنسان وتدين الانتهاكات كما تتظاهر بالمناداة بإرساء الحريات والديموقراطية وأنها دولة تؤمن بالتعددية ومشاركة أطياف المجتمع. الواقع يقول إنها لم تستطع تحقيق ذلك داخل إيران، حيث تنتهك الحريات وتسلب حقوق الأقليات العرقية والدينية، وأصبحت وفقا للأرقام والإحصائيات الدولية أكبر سجن للصحفيين والإعلاميين وسجناء الرأي في العالم، كما أنها تحجب مصادر المعرفة والتنوع في الحصول على المعلومة، حيث تحظر وسائل التواصل الاجتماعي وتمنع اقتناء الأطباق اللاقطة (الدشوش). علاوة على ذلك فقد حصرت المناصب والمراكز المرموقة في البلاد في شريحة ضيقة من المجتمع الإيراني، وهي تلك التي تؤمن بولاية الفقيه وتمارسها إلى درجة أنها قد وضعت ذلك شرطا معلنا للوصول لإدارة بعض المواقع والحصول على المنح الدراسية والتدريس في الجامعات، ناهيك عن التعيين في مناصب مثل الوزراء والسفراء ونحو ذلك. ببساطة شديدة، فاقد الشيء لا يعطيه.
أيضا تزعم إيران أنها تدعو للتعايش وتحارب الطائفية والمذهبية وتتهم الآخرين بذلك، بينما الحقائق تقول إنها دولة طائفية دستوريا وقانونيا وبإشراف نظام ولاية الفقيه. حيث تنص المادة 12 في الدستور الإيراني على أن “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”، علاوة على تدشين أكثر من 20 قناة تلفزيونية ذات توجهات طائفية وتكفيرية. ألا يكفي هذا كدليل على طائفيتها؟
إيران التي تدافع عن الإرهابي نمر النمر وتطالب بإطلاق سراحه رغم تورطه في عمليات إرهابية، تعتقل علماء السنة والشيعة الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه وتنصب لهم المشانق في الميادين العامة أو تقوم بتصفيتهم في السجون بطرق مختلفة ومتنوعة. فمؤخرا قتلت الأحوازي الشيخ عبد الحميد الدوسري والكردي الشيخ شهرام أحمدي والبلوشيين مولوي ‬عبد القدوس ملا زهي ‬ومولوي ‬محمد ‬يوسف سهرابي، كما تم افتعال حوادث مرورية لشخصيات بارزة أخرى من أبناء الشعوب غير الفارسية في إيران، فكيف تدافع عن المجرمين وتعدم الأبرياء في الداخل؟! ‬‬‬‬‬‬‬‬
ختاما نقول لإيران: كفى تضليلا وكفى تدخلا في شؤون الآخرين، ولعل الأفضل للنظام الإيراني أن يهتم بالمشكلات التي يعاني منها المجتمع الإيراني، ويعمل على حلها بدلا من الهروب إلى الخارج ومحاولة تصدير مشكلاته ومخادعة الداخل ببعبع العدو المتربص.

نقلاً عن الوطن أون لاين

محمد السلمي                

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق