أين يتجه التصعيد الخطير بين السعودية وإيران على خلفية الاعتداء على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران؟

منذ أن وقعت طهران الاتفاق النووي مع الدول الست والسعودية متوجسة من أن تبدأ إيران مرحلة تعزيز نفوذها الإقليمي، الذي لم يكن مطروحا في الاتفاق، رغم أن الولايات المتحدة والدول الغربية يتهمون إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، لكن تركت الولايات المتحدة المنطقة لمصيرها المحتوم، واكتفت بتطمين دول الخليج عبر توقيع عدد من الاتفاقات عبر تصدير أسلحة، وتعزيز الدفاع الخليجي المشترك، ونصب صواريخ دفاعية.

لم تطمأن السعودية لمثل تلك التطمينات والتعهدات التي شجعت إيران على مواصلة التوغل في المنطقة مما فرض على السعودية أن تتجه إلى تشكيل تحالف عربي إسلامي سمي بعاصفة الحزم لشل اليد الإيرانية في اليمن، التي تفاجأت به إيران، وفي نفس الوقت حاولت السعودية مد يدها لإيران من أجل التوصل إلى أرضيات مشتركة في العديد من الملفات في المنطقة في لبنان وسوريا ومحاولة تشجيع الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن كانت مواقف إيران مواقف ابتزازية راسخة لمشروعها الثوري، ومحاولتها تأخير تحرير اليمن من الحوثيين المتحالفين مع علي عبد الله صالح حتى لا تتجه السعودية إلى سوريا بكل ثقلها.

وبعد ارتفاع عدد قتلى الحرس الثوري في سوريا، وكذلك ارتفاع القتلى من حزب الله، استنجدت إيران عبر قاسم سليماني بروسيا، التي وجدتها روسيا فرصتها السانحة بدعم الشرعية على غرار الخطى السعودية في اليمن، بل وجدت الولايات المتحدة سوريا مصيدة للدب الروسي يغرق في الوحل السوري.

بدأت سوريا تعيش حالة من الانقسام الفعلي بين روسيا التي حاولت أن تضع المعارضة السورية المسلحة التي تشكل تهديدا جديا لقوات الأسد على لائحة الإرهاب، وقتلت أحد أبرز تلك القيادات زهران علوش قائد جيش الإسلام، مما أغضب السعودية وتركيا سارع أردوغان إلى زيارة السعودية لوضع الترتيبات لمواجهة واقع جديد تحاول روسيا استخدام العنف المفرط لدفع المعارضة السورية القبول بالأمر الواقع.

تعتمد روسيا القصف الجوي لتثبيت حدود ما بات يعرف بسوريا المفيدة أي أن تتقاسم موسكو وإيران النفوذ عليها، فهي رسمت لها على طول الخط الساحلي السوري نزولا إلى حمص، حيث الكثافة السكانية للسوريين العلويين الذين يودون التحرر من الإيرانيين ومن مشروعهم التشيعي للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم الاجتماعية.

 بينما ترك الروس لطهران الخط الممتد من حمص باتجاه جنوب سوريا مرورا بدمشق ووصولا إلى الجولان، وهي منطقة تضم معظم المكونات العرقية والدينية، لكن مع وضع واضح للأغلبية السنية، ولكن تمارس إيران إفراغ مناطقها من سكانها الأصليين كما جرى في القصير والقلمون وأخيرا في الزبداني، حيث يتم إبعاد سكان هذه المناطق إلى شمال سوريا، حيث الأغلبية السنية، ونقل سكان بلدتي فوعا وكفريا الشيعيتين إلى المناطق التي تخضع للسيطرة الإيرانية والممتدة بين حمص ودمشق حتى الحدود اللبنانية، أي يمكن أن تنقسم سوريا بين موسكو وإيران والأكراد والسنة العرب.

هذا السيناريو أقلق السعودية في ظل تواطؤ المجتمع الدولي، وفي ظل التفاهمات الدولية بخصوص سوريا من اتفاقي جنيف 1و2 وصولا إلى القرار الأممي رقم 2254 الذي دعا إلى تشكيل خريطة طريق لحل الأزمة السورية، فاتجهت السعودية إلى تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمواجهة الإرهاب السني الذي يتبناه داعش ومواجهة الإرهاب الطائفي الذي ترعاه إيران عبر حزب الله وأنصار الله الحوثي وبقية مليشيات الحشد الشعبي في العراق الذي يمارس تطهير عرقي.

الطموح السعودي تعرية إيران أمام الشعوب العالمية وبشكل خاص أمام الشعوب العربية، وكان تنفيذها لأحكام الشريعة في إرهابيين من الطائفتين دون تفريق، جعل إيران تفقد بوصلتها، فأقدمت على ترك السفارة والقنصلية السعودية للمتظاهرين الذين تمكنوا من اقتحامها وحرقها، وجدت السعودية حقها في قطع جميع العلاقات مع إيران، تبعتها دول عربية عدة منها السودان والبحرين والإمارات والكويت، وتلقت إيران إدانة واسعة، وانتقادات شديدة اللهجة من مجلس الأمن، وسيعقد مجلس دول التعاون الخليجي جلسة طارئة يعقبه عقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية تدين إيران على تخليها عن حماية السفارة والقنصلية السعودية التي تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والأعراف الدولية.

بالطبع كان موقف الولايات المتحدة كعادة دبلوماسيتها في اتهام إيران برعاية الإرهاب ولكنها ترى في تنفيذ السعودية تلك العقوبات إلى تفاقم التوترات الطائفية، فيما أعلنت ألمانيا أن يضع البلدان خلافاتهما جانيا، والتوجه نحو محاربة داعش، وأعلنت الباكستان وساطتها هي وتركيا بين البلدين، في المقابل بدأت الضربات تشتد ضد جماعة الحوثي في اليمن.

تعاني إيران من شبح فتنة 2009 يهدد طهران قبيل انتخابات فبراير، وفي نفس الوقت هناك نقاش داخل إيران لتغيير المرشد، وهناك أنباء عن إرجاء العقوبات الأميركية الجديدة بسبب إصرار طهران على موقفها من البرنامج الصاروخي.

يشكل التصعيد الخطير بين السعودية وإيران تهديدا حقيقيا لمسار التسوية السياسية في سوريا الذي انطلق قطاره من جنيف، رغم أن السعودية أعلنت أنها لن تتوقف عن المشاركة في تلك المفاوضات.

والوضع بين البلدين قابل لمزيد من التدهور إذا لم تتوقف إيران عن التدخل في المنطقة العربية، وهذا سيكون المطلب الأساسي في أي مصالحة تتم بين البلدين، خصوصا وأن السعودية وجدت أن طريق الحل السياسي في سوريا لا يزال غير معبد، بعدما شهد عام 2015 هزيمة الإيرانيين وحزب الله في سوريا، فجاء الروس لإنقاذ النظام.

 مثل هذا التصعيد سيعيد الأمور إلى نصابها، ويجعل السعودية تقدم على خيارات أكثر شدة في سوريا وفي لبنان وفي اليمن، وستفرض أجندتها، وستصر على تسليح المعارضة السورية يتزامن مع الدعم السياسي حتى لا تخسر المعارضة السورية مكاسبها، وهناك 24 فصيلا تطلق معركة أهل النخوة لاستعادة السيطرة على مواقع في درعا بعدما دان الائتلاف استهداف الطائرات الروسية للمدينة الخالية من أي وجود لداعش في مدينة الشيخ مسكين الإستراتيجية في ريف درعا في جنوب سوريا، خصوصا بأن هناك توقعات بمواجهات مباشرة بين روسيا وتركيا بدعم أمريكي التي دعمتها بطائرات الإنذار المبكر الأواكس.

السعودية هي التي ترعى ملف المنطقة، وهناك تحولات دبلوماسية وعسكرية في إقليم كردستان من أجل مواجهة النفوذ الإيراني بالتحالف مع العشائر السنية حتى لا تترك الساحة للحشد الشعبي، خصوصا بعد الخلافات بين زعيم منظمة بدر هادي العامري ونائبه أبو مهدي المهندس، وطموحات هادي العامري المدعوم من إيران تشكيل مليشيات مستقلة استعدادا لرئاسة وزراء العراق.

وأقنعت السعودية البرزاني البعد عن العروض الروسية السخية، وإقناع الأكراد بالمشروع الفيدرالي بدلا من المشروع الانفصالي الذي يقسم سوريا والعراق ويغضب تركيا، وهي الورقة التي تلعب عليها روسيا للانتقام من تركيا التي أسقطت لها طائرة حربية.

السعودية تدرك حقيقة إعادة النظر في الإستراتيجية الأميركية في العراق خصوصا بعدما أنزلت الولايات المتحدة تسعة ألوية من قوات النخبة في نينوي، لكن وزير الدفاع العراقي أنكر ذلك، وبدأ المحور الإيراني يهاجم تلك الإستراتيجية بعدما أمر أوباما بسحب قواته من العراق وملئت الفراغ إيران، هي التي تسببت في ظهور داعش الذي احتل مناطق واسعة من العراق بدأها بالموصل بدعم من العشائر السنية التي عانت من الحشد الشعبي الذي يمارس التطهير العراقي والقتل على الهوية زمن نوري المالكي واتهام العشائر السنية بالإرهاب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق