أمريكا تواجه روسيا في سورية بالسعودية

يهدف الدب الروسي من مجيئه إلى سوريا لا لنصرة إيران ولا النظام السوري المهترئ الذي فقد شرعيته، بل أتى لتثبيت قوته أكثر مما يهدف إلى تهدئة لعبة فقدت من رحمها الدراماتيكي الغابر، فهي تستغل وجودها في سوريا وتختبر أسلحتها في ظروف الحرب، ومؤخرا وصلت حاملة الصواريخ زيليوني دول إلى طرطوس لتكمل أسطول روسيا البحري، بعدما عززت وجودها العسكري على مراحل منذ بدء عمليتها العسكرية الجوية نهاية سبتمبر 2015، فالمقاتلة سو35 إس التي دخلت مؤخرا إلى الخدمة العسكرية، ولم يسبق لها أن شاركت في عمليات قتالية، وشكلت مشاركتها في قصف أهداف على الأراضي السورية أول اختبار لها ضمن ظروف معركة حقيقية، كذلك الأمر بالنسبة لإطلاق الصواريخ من بحر قزوين الذي شكل أول اختبار لتلك الصورايخ وقدرة السفن الصاروخية على العمل في ظروف الحرب.

مجيء روسيا إلى سوريا لم يكن مفاجأة لأمريكا، وروسيا هي الأخرى متأكدة أن أوباما أمريكا الذي غير إستراتيجية أميركا من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة بأنها لن تواجه القوة الروسية في سوريا، بل نجد أن الدولتين نسقتا تواجدهما العسكري بحيث تتجنبا أي صدام في سوريا، وهو ما يجعل الكثير من المحللين الذين يخطئون في تحليلاتهم بان هناك توافقا أمريكيا روسيا ضد المنطقة وضد العرب.

أحيا أوباما المفاوضات التي كانت سائدة زمن الاستقطاب في عهد الحرب الباردة حول سوريا، خصوصا وأن أوباما يعود له الفضل في  إنجاح مفاوضات النووي الإيراني مع دول 5+1 وتم التوصل إلى اتفاق مع إيران بعدما استغرق عشر سنوات من المفاوضات، ونجح كذلك أوباما في الاستعانة بالروس بالتفاوض حول الأسلحة الكيمائية في سوريا، ونجحت تلك المفاوضات، وكانت مقدمة لهندسة المفاوضات حول النووي الإيراني، خصوصا وأن روسيا تتعامل كدولة عظمى رغم صراعها مع الغرب، وإن كان فشل أوباما في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بسبب ارتباطها بأحداث المنطقة يأتي ضمن ترتيب الأولويات.

يعتقد البعض أن المفاوضات حول سوريا تبدو باهتة منذ الوهلة الأولى بعد إطلاق مفاوضات جنيف في فبراير 2016 ثم تعليقها واكبها اشتداد المعارك على الأرض، بسبب غياب بعض البديهيات عن الذاكرة عند التفاوض خصوصا عندما يتجاهل المتفاوضون العلاقة المعقدة بين العامل الزمني والمفاوضات.

تقوم المفاوضات في سوريا على تقريب مصالح الفرقاء، مع ضرورة جمعهم على طاولة واحدة، مع توفر إرادة سياسية للوصول إلى حلول سياسية، مع إمكانية تحقق بنود أي اتفاق، ومن يراهن على القوة سيصل إلى نقطة تجعله يفضل المفاوضات، وهو ما يفسر ترك الولايات المتحدة الفرقاء يتقاتلون في سوريا دون انتصار فريق على الآخر، وكلما ضعف فريق يتم دعمه من أجل أن تصل جميع الأطراف إلى نقطة تعادل تهيئهم للتفاوض.

يتزامن مع دبلوماسية المفاوضات دبلوماسية القوة التي تكون خلف الكواليس، مثل تسليم أسلحة متقدمة للأكراد من أجل وقف التقدم التركي خارج عن أي اتفاق كذلك من أجل إرضاء روسيا التي فشلت في الحصول على قرار من مجلس الأمن ضد الضربات الجوية التي تقوم بها تركيا ضد الأكراد في سوريا، وفي حالة فشل اتفاق موسكو وواشنطن حيال وقف النار في سوريا هددت واشنطن بتسليم أسلحة متطورة للمعارضة السورية.

التقارب الروسي الأمريكي سيولد بحد ذاته الطاقة اللازمة لحل وسط ذي مضمون، نجح الدور السعودية في إقناع أمريكا والغرب أن محاربة داعش لا يمكن القضاء عليه إذا لم يتوقف تمدد المشروع الإيراني الذي أتى نتيجة تسليم بوش العراق لإيران وتوقيع أوباما الاتفاق النووي الذي شعرت معه إيران بأن الغرب سيوافق لها مقابل توقيع هذا الاتفاق أن تحصل على دور إقليمي، وهو ما جعل أمريكا تدعم التحركات السعودية في اليمن وفي محاصرة النفوذ الإيراني عبر مليشياته في المنطقة.

إستراتيجية الولايات المتحدة هي استنزاف الخصم وهو ما تدركه روسيا، وتعتقد أمريكا أنها تركت روسيا تغوص في المستنقع السوري، واقتصادها يتجه نحو الانهيار، خصوصا نتيجة انهيار أسعار النفط، وانهيار عملتها أكثر من خمسين في المائة، إلى جانب ذلك حاصرت أمريكا روسيا بخطر إسلامي وهي تريد التخلص منه، ما جعل السعودية تتجه إلى تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة داعش في سوريا والعراق رحبت به أمريكا بل تعتبره مكملا للتحالف الذي تقوده أمريكا عبر ضربات جوية، حتى أن ستيف وارن المتحدث الرسمي باسم التحالف الدولي ضد داعش قال بأن الحملة العسكرية ضد التنظيم في سوريا والعراق هي الأكثر دقة عبر التاريخ، وعد ستيف التدخل الروسي في سوريا عقبة أمام عمليات التحالف الدولي.

رغم أن هناك شكوكا حول الهدنة مع وعود أميركية بتسليح المعارضة في حال خرقها، ولأول مرة تعلن واشنطن أن سوريا مهددة بالتقسيم، واللافت خفوت الصوت الإيراني رغم تشاور موسكو مع طهران، واعتبرت مصادر أوربية أن الاتفاق اختبار لمصداقية واشنطن وموسكو في التأثير على الأطراف السورية، لكن موسكو المنهكة اقتصاديا، هناك ترحيب روسي واسع بالاتفاق، وترى موسكو أن في الاتفاق مثالا لأهمية التعاون مع واشنطن في التصدي المشترك للتهديدات، رغم أن هناك تحذيرا من عقبات في تنفيذ الاتفاق.

فيما يعتبر ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية السابق أن الدول العظمى غير متفقة على حل بشأن سوريا، وأن أميركا تعول على السعودية في البحث عن طرق جديدة، كون التعامل الأميركي مع المعارضة السورية لم يكتب له النجاح، وأكد أن العلاقة بين بلاده والسعودية تقوم على الدعم المتبادل، وأنها قوية وستبقى، وأكدت أمريكا أنها لن ترسل قوات برية إلى سوريا، ولكن يمكن لدول الشرق الأوسط كالسعودية أن تقوم بما تراه مناسبا، خصوصا وأن سوريا تحالف ضد تحالف، واعترف ميرفي أن أميركا لم تنجح في تقديم خيار حقيقي وهو الاختيار بين الحكومة الحالية وحكومة جديدة، معتبرا السبب في عدم وجود معارضة حقيقية، لذلك ترى أميركا أنها تعول على السعودية في البحث عن طرق جديدة، خاصة في التنسيق بينهما حول الدور العسكري والسياسي كون التعامل الأميركي مع المعارضة السورية لم يكتب له النجاح.

روسيا حريصة على إرضاء السعودية بشأن وقف النار في سوريا، بعدما استعرض بوتين مع الملك سلمان تفاصيل الاتفاق الأميركي الروسي، بعد تأكده من التزام دمشق وطهران بمخرجاته عندما اتصل بوتين بالملك سلمان هاتفيا في 24/2/2016 وأعرب الملك سلمان عن إشادته بالاتفاق وأعرب عن استعداده للعمل المشترك مع روسيا لإنجاحها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق