استهداف الفرقاطة السعودية: هل انتهت المرحلة الانتقالية في العلاقات السعودية-الإيرانية؟

في المحادثة التي جرت بين ترامب والملك سلمان يوم الأحد 29/1/2017 اتفقا على ضبط سلوك إيران النووي والإقليمي، والتطبيق الصارم للاتفاق النووي والتصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة بعد تغول إيران في المنطقة منذ احتلال الولايات المتحدة العراق وقضم المنطقة العربية على التوالي وبعد المقاربة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة زمن بوش الابن تحولت إلى مقاربة عسكرية فقط مكنت إيران من زيادة تغولها في العراق وقضم العراق كمعبر إلى سوريا التي تعتبرها ممرا إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن أكبر أهداف إيران إلغاء عروبة العراق وسوريا بشكل خاص، ويمكن أن تطبق عدد من الاستراتيجيات سبق أن طبقتها في البحرين في غفلة من العرب.

تعي أمريكا أن العلاقة بالسعودية لا ترتبط بالنفط كما يصوره كثير من المحللين وهي نظرة قاصرة للعلاقات، بينما ترى أمريكا في السعودية قوة سياسية واقتصادية وحتى عسكرية وتمثل ركنا دينيا، وهي تعي كذلك الدور الكبير الذي تلعبه السعودية في المنطقة العربية والإسلامية والدولية، ورغم الدور الإيراني المزعزع للمنطقة فإن السعودية تتمتع باستقرار سياسي وأمني واقتصادي وأي دور للولايات المتحدة في المنطقة لا يمكن أن يتم من دون الدور السعودي.

في الفترة الماضية تاجرت إيران بالقضايا العربية وخصوصا بالقضية الفلسطينية من خلال محور المقاومة الذي سقط بعد تدخل المليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا، وكانت السعودية تخشى الاصطدام بالعرب والإسلاميين من أن تتهم بمواجهة إيران التي تدافع عن القضية الفلسطينية وتدافع ضد إسرائيل وأمريكا الشيطان الأكبر، لكن تنسيقها وتعاونها مع الولايات المتحدة في العراق كشف هذا الغطاء، والآن في سوريا واليمن، جعل السعودية تدخل في مواجهة مباشرة مع إيران عبر تشكيل تحالفات عسكرية وتحالفات سياسية مع تركيا وعدد من دول العالم.

استنكرت إيران من أن ترامب لم يدرج مواطني السعودية على لائحة المهاجرين الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، بينما مواطنيها مدرجين ضمن لائحة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة بعد مرحلة ذهبية في عهد أوباما، وأن هناك مرحلة جديدة تختلف عن مرحلة أوباما الذي كان يتغاضى عن التدخلات الإيرانية في المنطقة، وأبعد من ذلك قام ترامب بالاتصال بالملك سلمان لتنسيق سياسة البلدين في مواجهة التدخلات الإيرانية وهي الفرصة التي أتت للسعودية والقاضية لإيران التي بددت أحلامها، التي كانت حذرة منها السعودية في عهد كلينتون وبوش الابن بل اتجه ترامب بالاتفاق مع الملك سلمان إلى إنشاء مناطق آمنة للسوريين واليمنيين والتعاون في محاربة الإرهاب في المنطقة والتي تحييد دور طهران في المنطقة ويقيد تحركاتها نتيجة وجود مناطق آمنة كانت ترفضها إدارة أوباما.

يبدو أن الرئيس ترامب أعاق دور روسي في تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران بعدما أبدت وسائل الإعلام التجاوب مع الدور الروسي ومحاولة الاستجابة لحوار إيراني خليجي استجابت له دولة الكويت بإرسال وزير خارجيتها إلى إيران لتوضيح الموقف الخليجي الذي يطالب بوقف التدخل الإيراني في المنطقة العربية قبل أي حوار، وحاولت إيران من تخفيف حدة التوتر مع السعودية خصوصا مع مجيئ رئيس جديد للولايات المتحدة معروف بتوجهات معادية للولايات المتحدة، خصوصا بعدما نصح الملك سلمان ترامب أثناء المكالمة الهاتفية بعدم إلغاء الاتفاق النووي تثبت السعودية أنها دولة واقعية وتدعو للسلم والسلام ولكنها تدافع عن أمن واستقرار المنطقة.

 وحتى نبي الرحمة محمد صلوات الله عليه عندما نقض اليهود العهود الذي تم الاتفاق عليه أخرجهم من المدينة (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)، وذمة الناس جميعهم واحدة ولا توجد ذمة دون أخرى كما يعتقد بعض المتشددين ويروجها أعداء الإسلام فعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل) متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) أخرجه البخاري

لكن تشعر إيران أن السعودية كانت السبب في تبديد التطبيع مع الولايات المتحدة بعدما فرضت نفسها قوة عسكرية متماسكة بعدما قادت عاصفة الحزم في اليمن وقادت تحالفات عسكرية إسلامية أذعن التحالف الدولي بأهمية هذا التحالف في محاربة الإرهاب، بجانب التحالف الشامل مع تركيا، والتنسيق مع روسيا في مختلف الجوانب، ويعاني اقتصادها أعمق أزمة في الوقت الراهن، ويحاول روحاني تقديم بادرة على تطبيع العلاقة مع السعودية تتزامن مع ضغط بوتين على روحاني في تطبيع العلاقة مع السعودية خصوصا وأن بوتين نجح في إقامة علاقة وثيقة مع السعودية  بهدف الوصول إلى استقرار أسواق النفط وهو يتطلب التنسيق والتعاون بين إيران والسعودية، لكن معارضي روحاني يرفضون ذلك، رغم أن بوتين أقام علاقة مع خامنئي المرشد الأعلى وهو الذي يمتلك القرار وليس روحاني الذي أخفى رسالة هجومية ضد البحرين وقال ليست لدينا النية للتدخل في شؤون البحرين، بعد خطبة هاجم فيها البحرين داعيا التحرك العاجل هناك أثار فيها السعودية وبقية دول الخليج الأخرى.

لا تمانع السعودية في زيادة القوات الأمريكية في العراق في مواجهة الهيمنة الإيرانية عبر حلفائها من المليشيات لفرض واقع جديد خصوصا وأن السعودية تعول على الشعب العراقي وحتى على الشيعة الذين يرفضون أن تكون بلادهم تابعة لإيران التي تهدف طمس هوية العراق العربية، خصوصا وأن إيران منزعجة من لعب دور ثانوي في سوريا، فيما تلعب تركيا دورا رئيسيا وتتعاون وتنسيق مع الجانب الروسي، حتى أصبح النفوذ السعودي الخليجي الأبرز في التواجد وإن كان تواجد غير مباشر ولكن بالتنسيق مع تركيا وروسيا.

لكن وسائل التهدئة لم تنجح بين الجانبين بسبب التورط الإيراني في اليمن هو الأكثر تعقيدا ومصدر من مصادر القلق لدى السعودية وهي لن تتنازل عن أي مكاسب إيرانية في اليمن على غرار لبنان حيث الخبراء الإيرانيين العسكريين يلعبون دورا رئيسيا في تصميم الأساليب التكتيكية مما يؤخر إنهاء عاصفة الحزم حيث ترفض طهران أن تكون مغامرتها في اليمن مقامرة خاسرة في ظل رفض سعودي.

ما يزعج إيران أن روسيا هنأت الشرعية اليمنية بتحرير المخا وهي تدعم حكومة هادي في اليمن وأن المنتدى العربي – الروسي في أبو ظبي في 1/2/2017 أدان الإرهاب بجميع طوائفه وأشكاله وشدد على خطورة التدخلات الإيرانية في الدول العربية، حيث ترى روسيا أن مصالحها مع العالم العربي كبيرة ولن تضحي بها من أجل إيران رغم أنها شريكة لها في الحرب في سوريا ولن تترك الساحة للولايات المتحدة في العهد الجديد.

السعودية في مواجهة الغول الإيراني الذي يبسط أذرعه في المنطقة من خلال قطع ذراعه في اليمن، ولا زالت إيران تتمترس خلف المدنيين وخلف العامل الإنساني واستهدفت فرقاطة سعودية أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة باليمن كانت البصمات إيرانية وهي نفس العقيدة القتالية للحرس الثوري في مناطق الصراع عامة أسفر عن هذا الاستهداف استشهاد عنصرين من الأمن السعودي أدين هذا الاستهداف أعدته دول العالم تهديدا للملاحة الدولية وعرقلة لجهود السلام وهذا الاستهداف هو رد على الاتفاق السعودي الأمريكي على مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للمنطقة أثناء اتصال ترامب بالملك سلمان ما يعني أن مرحلة تخفيف حدة التوتر توقفت.

وعلى الفور أبديت وزارة الدفاع السعودية والأمريكية تعاونهما المشترك لمواجهة تحديات المنطقة ورفضهما الكامل للنشاطات المشبوهة وتدخلات النظام الإيراني ووكلائه في شؤون دول المنطقة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها تنفيذا لاتفاق ترامب والملك سلمان في الاتصال التاريخي بين القائدين حيث أكدت وزارة الدفاع الأمريكية جاهزيتها للعمل جنبا إلى جنب في المجالات كافة للعمل معا لخدمة مصالح البلدين ومحاربة الإرهاب والمليشيات والقرصنة وأن من اللازم إعادة الاستقرار لدول المنطقة وتطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة واستنكر ماتيس وزير الدفاع الأمريكي الحادث الإرهابي الذي تعرضت له إحدى الفرقاطات السعودية غرب ميناء الحديدة باليمن، وعن تعازيه في وفاة البحارة السعوديين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق